عاجل

تعرف على بدائل العمرة من خلال ملتقى المرأة بالجامع الأزهر

 د. لمياء متولي
د. لمياء متولي

أوضحت د. لمياء متولي، أن العبادة في الإسلام تعتبر الغاية الأساسية من خلق الإنسان، وهي الهدف من حياته وسر وجوده. قال الله عز وجل: ﴿ وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ ، وأشارت إلى فرضية الحج على المستطيع مرة واحدة في العمر، مستشهدة بحديث مسلم عن أبي هريرة ، حيث قال: "خَطَبَنَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا ، وعندما سأل أحدهم: أَكُل عَامٍ يَا رَسُول اللَّهِ؟ ، سكت النبي حتى قالها ثلاثًا ، ثم قال: "لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ.

وأضافت أستاذة الفقه بجامعة الأزهر الشريف، خلال الملتقى الأسبوعي بالجامع الأزهر من البرامج الموجهة للمرأة، أن العمرة في مذهب المالكية وأكثر الحنفية تعتبر سنة مؤكدة مرة واحدة في العمر، بينما يرى الشافعية والحنابلة أنها فرض مرة واحدة ، مؤكدةً أن تكرار الحج والعمرة ليس واجبًا ، بل هو تطوع ، ويجب في التطوع مراعاة تقديم الأهم على المهم ، وأشارت إلى أن التطوع بالنوافل من الأمور التي يحبها الله تعالى ، وهي من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه بعد الفرائض ، كما أنه يُستحب الإكثار من العمرة ، ولا يُكره تكرارها في السنة الواحدة عند الجمهور.

ولفتت د. لمياء، إلى أن الحج والعمرة أفضل من صدقة التطوع، لأنهما يتضمنان إنفاق المال وأعمالًا أخرى مثل : الطواف والسعي والذكر والصلاة، ومع ذلك قد تكون الصدقة أفضل في بعض الحالات، خاصة إذا كانت في الجهاد في سبيل الله أو في مساعدة المحتاجين، وأشارت إلى أن هناك كثيرًا من المسلمين في مختلف أنحاء العالم يعانون من الفقر والحاجة، مما يجعل التصدق عليهم أولى من إنفاق المال في الحج والعمرة التطوعية ، خصوصًا إذا كانت تكاليف الحج والعمرة مرتفعة، مؤكدةً أن هذا يتماشى مع مقاصد الشريعة والقواعد الفقهية، حيث يُقدم الواجب على المستحب، وتُفضل المصلحة العليا عند تزاحم المصالح.

وخلال كلمتها ذكرت د. زينب سري أن الاجتهاد لأداء العمرة مطلوب شرعًا، حيث حث الرسول ﷺ على ذلك في العديد من الأحاديث، وتناولت مدرس الفقه بجامعة الأزهر بدائل العمرة من خلال محورين رئيسيين: الأول هو بدائل البر المجتمعي لمن يرغب في تكرار العمرة في ظل ظروف مجتمعية صعبة ، مثل الغلاء، والثاني هو بدائل البر المجتمعي لمن عجز عن أداء العمرة بسبب عدم القدرة المادية.

وفيما يتعلق بالمحور الأول، يمكن النظر إلى بدائل البر المجتمعي من خلال القاعدة الفقهية " تعارض المصالح " ، فإذا كان تكرار العمرة سيؤدي إلى عدم قدرة الشخص على القيام بأعمال البر المجتمعي، مثل مساعدة جار في ضائقة شديدة، فإنه يتعين عليه ترجيح أحد المصلحتين ، وفي هذا السياق يقول الرسول ﷺ في الحديث الشريف: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به " لذا فإن سد حاجة المؤمن أو التبرع للعاجز مادياً، سواء كان جاراً أو قريباً، يصبح أولوية على تكرار العمرة في مثل هذه الحالة.
أما المحور الثاني، فيتناول بدائل العمرة لمن لا يستطيع أدائها، يمكن فهم هذا من خلال مقصد الشرع في عدم المشقة على العباد، حيث جعل مخرجًا تعبديًا لمن عجز عن أداء بعض العبادات، ومنها العمرة، كما أشار الحديث الشريف: "من صلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة".

وتابعت د. زينب سري: "ويمكن قياس البدائل التعبدية على بدائل البر المجتمعي، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، فمساعدة المحتاجين أو دعم الغارمين أو التكفل بعلاج من لا يستطيع تحمل تكاليف الدواء، كلها أعمال تحمل ثوابًا عظيمًا في الآخرة، ولها تأثير إيجابي على استقرار المجتمعات وازدهارها في الدنيا، تطبيقًا لقوله عز وجل : ﴿وَمَن أَحيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾.

من جهتها بينت د. حياة العيسوي ، أنه عندما جاء الأمر من الحق سبحانه وتعالى بتحويل القبلة إلى الكعبة واتجاه المسلمين في صلواتهم إليها، بعد أن كانوا يصلون ووجهتهم إلى بيت المقدس، عند ذلك حدثت بلبلة، وصار لكل أتباع ملة قبلة خاصة: فالمسلمون يتجهون إلى الكعبة، واليهود يتجهون إلى بيت المقدس، والنصارى يتجهون إلى الشرق، قال لهم الله عز وجل لا تجعلوا أمر الاتجاه إلى الكعبة هو كل البر؛ لأن هذا الأمر لا مشقة فيه ؛ فلا مشقة في توجه المسلمين إلى الكعبة بعد أن كانوا متوجهين إلى بيت المقدس، إنما المسألة هي امتثال لأمر الخالق ، قال الله عز وجل : ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ 
فالبر إذن ليس في الأمور السهلة التي لا مشقة فيها، وإنما في الخير الواسع الكثير، ويشمل الإيمان ويشمل التقوى ، ويشمل الصدق، ويشمل الطاعة ، ويشمل الإحسان، وكل وجوه الخير تدخل تحت كلمة "البر»  ، فالبر معناه كبير واسع ، وهذا يتطلب من المؤمن أن يقبل على الطاعة وإن شقت عليه ، وأن يمتنع المسلم عن المعاصي ، وأن يعرف أن للمعاصي لذة عاجلة ؛ لكن عقابها كبير ، كل ذلك هو من مطلوبات البر والإيمان.

 

تم نسخ الرابط