عاجل

بعد مأساة المنوفية.. من ينقذ أرواح الأبرياء على طرق القليوبية؟

طرق القليوبية
طرق القليوبية

كانوا عائدين من لقمة العيش، أنهكهم التعب تحت شمس الحقول، وتمسكوا بالأمل في صباح جديد يحمل لهم الرزق والستر، لكن صباحهم لم يأتِ. ففي لحظة واحدة، تحولت رحلة العودة إلى مأساة جماعية، وودعنا تسع عشرة فتاة من محافظة المنوفية، وقعن ضحية الإهمال المروري، في حادث مفجع لم تسبقه أي إشارة أو تحذير.

لم تكن تلك الحادثة الأولى من نوعها، لكنها كانت الأقسى في مشهد مرير يتكرر يوميًا في محافظات مصر، وعلى رأسها محافظة القليوبية، التي تشهد بشكل يومي حوادث قاتلة على طرقها الرئيسية والفرعية، حيث تتحول هذه المسارات إلى مسارح مفتوحة للموت، وتتحول الأرواح إلى أرقام جامدة في تقارير لا تُقرأ، وصرخات لا تُسمع.

في النصف الأول من عام 2025، سجلت محافظة القليوبية ما يزيد على 110 حادثًا مروريًا جسيمًا، أسفرت عن وفاة نحو 80 شخصًا، وإصابة أكثر من 270 آخرين بإصابات تراوحت بين الخطيرة والمتوسطة، وهي أرقام تؤكد أن الطرق في المحافظة تحولت إلى خنادق موت مفتوحة، لا تفرق بين شاب في مقتبل العمر أو فتاة في طريقها إلى العمل، أو أسرة تبحث عن لقمة العيش.

في جغرافيا القليوبية، تتوزع حوادث الموت بين طريق بنها–شبرا الحر، والطريق الزراعي، والطريق الإقليمي، إلى جانب العديد من الطرق الداخلية التي تربط المدن والقرى، مثل طريق بنها – شبين القناطر، الذي يعاني من حفر متلاصقة ومطبات عشوائية وانعدام تام للإنارة، ما يجعل السير عليه مغامرة يومية محفوفة بالمخاطر. أما طريق بنها – القناطر الخيرية، ورغم كونه شريانًا حيويًا يربط بين مناطق عديدة، فإنه يعاني من ضيق شديد في الحارات، وغياب الرؤية الليلية، وكثرة الحوادث، في ظل غياب واضح لأي صيانة دورية أو تخطيط مروري مدروس.

وتبرز الأزمة بشكل أكثر قسوة على طرق مثل خط 12 وخط 13، وهي طرق فرعية تخدم القرى والمزارع لكنها تفتقر إلى أبسط مقومات السلامة، فلا إنارة ولا إشارات إرشادية، ولا صيانة أو رقابة، ما جعلها أشبه بمسالخ مفتوحة أمام المارة.

ومن الطرق التي تعكس حجم الإهمال رغم أهميتها الاقتصادية، طريق جمجرة – الشقر، والذي يخدم عشرات المزارع ومحطات تصدير الحاصلات الزراعية في مركز بنها وكفر شكر، ويشهد حركة يومية لنقل العمالة في سيارات نصف نقل وسط ظروف مرورية سيئة للغاية، بسبب تهالك الأسفلت وانتشار المطبات العشوائية وغياب الإنارة، ما يجعل من استخدام هذا الطريق مخاطرة يومية لكل من يسير عليه.

في موازاة ذلك، تُمثل المطبات المنتشرة في طرق القرى والنجوع مأساة من نوع آخر، حيث تحولت من وسائل للتهدئة إلى فخاخ قاتلة، وُضعت عشوائيًا دون دراسة أو تخطيط هندسي، بعضها مرتفع بشكل مفاجئ، والآخر غير مرئي لغياب الطلاء أو اللوحات التحذيرية، ما أدى إلى تزايد الحوادث الناتجة عن انقلاب السيارات أو فقدان السيطرة عليها.

صرخات الأهالي لا تتوقف، لكن لا حياة لمن تنادي. يقول محمد عبد التواب، من قرية تابعة لطوخ، إن الأهالي باتوا يحفظون أسماء الموتى أكثر من الأحياء، مؤكدًا أن الحوادث تتكرر بشكل شبه أسبوعي، دون أن تتحرك الجهات المسؤولة. أما الحاجة أم إبراهيم من قليوب، فتحكي باكية كيف عاد ابنها في كفن، ليس بسبب سائق متهور، بل نتيجة حفرة في منتصف الطريق لم ينتبه لها أحد منذ سنوات.

المطالب التي يرفعها المواطنون لا تتجاوز حدود الحقوق الأساسية، فهم لا يطلبون سوى رصف الطرق المتهالكة، وتركيب إنارة كافية في الطرق المظلمة، وإزالة المطبات العشوائية واستبدالها بأخرى مطابقة للمواصفات، وتوسيع الحارات الضيقة خاصة في المسارات الحيوية، فضلًا عن تشديد الرقابة المرورية في نقاط الخطر، وتحديد السرعات القصوى وتطبيقها عبر الرادارات وكاميرات المراقبة.

ويبقى السؤال معلقًا بعد فاجعة المنوفية: هل ننتظر كارثة جديدة كي نتحرك؟ هل يجب أن تتكرر مشاهد الموت الجماعي حتى تتحرك الدولة لمعالجة نزيف الطرق؟ إن أرواح الأبرياء ليست مجرد أرقام، وإن الطرق في الريف والقرى لا تقل أهمية عن الطرق السريعة، فالموت لا يفرّق بين فتاة عائدة من عمل أو شاب يركب دراجته أو أسرة في طريقها إلى المنزل.

لقد كُتبت الحكاية مرارًا على الأسفلت، لكن بأحرف من دم. فهل يقرأها أحد؟

تم نسخ الرابط