قديماً، كانوا يتجمعون على المصطبة ويتناولون أطراف الحديث، ويمضي بهم القيل والقال إلى منتهاه. وينتهي يومهم، ويبدأ يوم جديد تتكرر فيه نفس اللقاءات ونفس الأشخاص، وتختلف الحكايات.
الآن، أصبحت المصطبة متطورة تتناسب مع روح العصر ومتطلباته، وصار اسمها وسائل التواصل الاجتماعي. تلك الوسيلة التي أخذناها من الغرب، ولم نأخذ منها إلا أسوأ ما صنعت من أجله. فهناك في بلاد العم سام، تُستخدم هذه المصطبة لأهداف راقية، بجانب كون البعض يستخدمها للسوء بعينه.
الوضع هنا مختلف؛ فالمصطبة الحديثة تُستخدم من قبل الأغلبية للسوء بكل مفرداته، والقلة القليلة تستخدمها لأهداف راقية وإنسانية. في مقارنة بسيطة أجرتها واحدة من كبريات مراكز استطلاع الرأي العالمية، أُشيد بما وصل إليه حجم المتابعين والمشتركين في المصطبة الغربية الحديثة، أقصد السوشيال ميديا أو التواصل الاجتماعي.
وأكدت الدراسة أن حجم المشاركين يجعل هذه المصطبة في زيادة وإقبال كبير، مما يرفع من أسهمها ورصيدها في منطقتنا المغضوب عليها. تحدثت الدراسة بخبث عن نجاح الأهداف التي سعت المصطبة لتحقيقها، ومعظمها اجتماعي يركز على تشتيت شمل الأسرة والسعي وراء رأس المال بأي وكل طريقة، ولو على حساب الكيان الأسري ذاته، وإفشاء الأسرار والخبايا، مادام ذلك الأمر سيحقق أرباحًا وقفزات مالية وأصفارًا بنكية.
كما أكدت الدراسة نجاحها في استقطاب أهم عناصر التنمية، وهم الشباب، عصب المسيرة وعمودها الفقري، وجعلتهم بلا هوية ولا انتماء، وحولتهم إلى كارهين لواقعهم، متطلعين إلى ترك البلاد والعباد، الشرق أوسطيين أو خليجيين، والذهاب غربًا أو شمالًا، وإلى أي مكان يتخلصون من خلاله من جذورهم، ليصبحوا أدوات غربية مرنة، سهلة الاستخدام والتطويع لخدمة العم سام وأولاده وأحفاده وذريته جميعها إلى نهاية الخليقة وفناء الكون.
وجدت المصطبة الغربية مستقراً ومقاماً وتشجيعاً وترحيباً، لغياب الكثير من عناصر البقاء التاريخي والاستقرار الجغرافي. فقد جاءت في وقت الهجمة الأنجلو أمريكية الشرسة على منطقتنا، وتقطيع أوصالها بيد الابنة المدللة، إسرائيل، التي قيل عنها منذ زرعها في منطقتنا بأنها العصا التي سيؤدب بها الغرب القطيع العربي إذا حاد عن الصف والطريق المرسوم له ليسلكه راضيًا أو مغضوبًا.
تتمدد المصطبة الغربية كما تتمدد إسرائيل، وتحتل الجنوب السوري واللبناني، وتقصف وتعبث في غزة، وتهاجم اليمن وإيران، وتفعل كل ما يحلو لها بدعوى أنه من حقها أن تدافع عن نفسها وتحمي أبناء وطنها. إسرائيل هي المستفيدة الأولى من هذه المصطبة، فبها تزداد سطوتها على العقول وتخلق أجيالًا هشة فارغة العقل، منزوعة الانتماء، ومن السهل استقطابها وجعلها أداة مرنة طيعة في المنظومة الصهيونية العالمية.
كانت المصطبة القديمة صناعة عفوية قام بها الأجداد لقضاء الوقت والتشاور والتزاور، أما الأخرى فقد صنعها الخبثاء للهدم والتشتيت وزرع بذور الكراهية والبغضاء، والركض وراء المال وركوب التريند مهما كان الطريق، مادام الهدف الشهرة والمال.
كان كل ذنب المصطبة القديمة النميمة، وسيحاسبون عليه في الآخرة لأنهم كانوا يغتابون الناس وربما يكذبون؛ أما المصطبة الحديثة فالجزاء في الدنيا وعلى مرأى ومسمع من الكل، لأن الهدف هو استمرار القصة واستمرار الحكايات والحكاوى.