عاجل

من الطين تُصنع الحكاية.. شيخ الخزّافين في القليوبية ينسج من النار لون الحياة

احمد سعودى
احمد سعودى

 

في زقاق هادئ بمدينة الخانكة بمحافظة القليوبية، ينبعث عبق الطين المحترق ممزوجًا بروح الحرفيين الأوائل، من داخل ورشة صغيرة تحوّلت إلى مدرسة لفن الخزف اليدوي. هناك، يجلس شيخ الحرفيين "أحمد سعودى"، الرجل السبعيني الذي أفنى أكثر من خمسين عامًا من عمره في تشكيل الطين وصناعة الجمال، متحديًا الزمن، ومتمسكًا بحرفته كأنها رسالة حياة.

يقول سعودى، في حديثه لنيوز رووم، بعينين يشع منهما الفخر:
"أنا ما تعلمتش الخزف.. أنا اتربّيت عليه.. الطينة بالنسبالي مش مادة، دي روح بتتكلم معايا، وكل قطعة بصنعها كأنها بتخرج من قلبي مش من إيدي."

قضى سنوات عمره بين ألوان الجليز وأفران النار، يصمم الأواني، والتحف، والتماثيل الفرعونية، بلغة فنية لا يفهمها إلا من عاشق للحرف اليدوية الأصيلة. لم يسعَ إلى الشهرة، لكنه صنعها بطريقته، فصار اسمه علامة في عالم الخزف، وصارت ورشته قبلة لكل من يبحث عن القطعة التي لا مثيل لها.

زبائنه يصفونه بأنه "صاحب ذوق نادر وإحساس فني لا يُكرّر"، تقول إحدى السيدات وهي تتأمل فازة ملونة صنعتها يداه:
"كل مرة بشتري منه قطعة بحس إنها بتحكيلي حكاية.. مش مجرد ديكور، دي قطعة من روحه."

ويضيف أحد المهندسين المعماريين الذين يتعاملون معه باستمرار:
"شغله مختلف.. مش بس متقن، لكنه فيه دفء وصدق.. تحس إنه بيحترم كل حتة طين بيشتغل فيها."

أحمدسعودى لا يعمل وحده، فقد نقل شغفه إلى أبنائه، الذين التحقوا مثله بمجال الفنون، وساروا على خطاه، يعاونونه في الورشة، ويشاركونه صناعة التماثيل والقطع المستوحاة من التراث المصري القديم، مستخدمين الطين الأسواني الخام، والطلاء الزجاجي الآمن، ليخرجوا بمنتج يجمع بين القيمة الجمالية والاستخدام اليومي.

ورغم بساطة المكان، فإنهم طوروا فرنًا خاصًا تصل حرارته إلى أكثر من 1100 درجة، لصهر الألوان وإبراز نقائها، يقول أحمد عن ذلك بابتسامة رضا:
"السوق مليان تقليد، بس اللي بيدوّر على الأصل، هييجيلي.. لأن الحاجة اللي فيها روح عمرها ما تتكرر."

ويفتخر بمشاركته في معارض محلية ودولية، ويرى أن الخزف ليس مجرد حرفة، بل "رسالة تراثية" يجب الحفاظ عليها، مؤكدًا أن حبه لمهنته يزداد مع كل قطعة جديدة يصنعها.

ورغم الصعوبات وغلاء الخامات، لا يفكر أحمد في التوقف، بل يرى أن الحفاظ على هذه المهنة واجب وطني، يختم حديثه قائلاً:
"الخزف زي الإنسان.. كل قطعة لها طابعها وملامحها، ومافيش قطعة شبه التانية.. واللي يشتغل بإيده عمره ما يُهان."

في زمن تسيطر فيه الآلات والإنتاج التجاري، يظل أحمد سعودى وورشته شاهدين على عراقة الحرفة المصرية، وصوتًا صادقًا ينادي من عمق الطين: "الجمال يصنع باليد.. وبالروح."

احمد سعودى اقدم صانع خزف بالقليوبية

تم نسخ الرابط