عاجل

«طحلة» قرية السجاد اليدوي التي غزلت مجدها بعرق الأيادي وأنين "النول"

النول اليدوى
النول اليدوى

في قلب دلتا مصر، تتوارى قرية «طحلة» التابعة لمدينة بنها خلف ستائر النسيان ، رغم أنها نسجت لعقود خيوط مجدها بخيوط الحرير، ورفعت اسمها عاليًا على سجاد فخم زين قصور العالم.

في طحلة ، لا تُحكى الحكايات بالكلمات ، بل تنسج على "النول" ، حيث يجلس رجال وسيدات تجاوزت أعمارهم الخمسين، يتعاملون مع الخيط والإبرة كما يتعامل الفنان مع الريشة، يحولون الصوف والحرير والقطن إلى لوحات بصرية تبهر الأعين وتُدهش الذوق العالمي.

حرفة صنعت اقتصاد القرية

 

كانت صناعة السجاد اليدوي ، هي العمود الفقري للاقتصاد المحلي في طحلة، حيث امتهنها مئات الأسر، وتربى عليها جيلٌ بعد جيل. لم يكن هناك بيت يخلو من "نول" أو قطعة سجاد تحت التنفيذ. وكانت أغلب البيوت بمثابة ورش عمل دائمة تنتج أجود أنواع السجاد الكلاسيكي والمودرن.

القطعة الواحدة كانت تستغرق من ثلاثة أشهر إلى سنة كاملة ، بحسب حجمها ودقة تصميمها، وتباع بأسعار مرتفعة للأسواق الخارجية ، وكان لأهالي طحلة باع طويل في تصدير السجاد إلى الأسواق الدولية، وكان إنتاج القرية يُنافس في جودته وأصالته أشهر أنواع السجاد العالمي.

انهيار تدريجي.. والحرفة في خطر

لكن هذا المجد بدأ في التراجع شيئًا فشيئًا مع بداية الألفية ، ثم تلقّى ضربته القاصمة بعد توقف حركة التصدير، أُغلقت الورش واحدة تلو الأخرى ، وغابت المواد الخام ، وغابت معها العوائد المجزية.

تحول النول من مصدر فخر إلى عبء ثقيل ، وأصبح الشبان ينفرون من الحرفة التي تتطلب جهدًا كبيرًا وصبرًا طويلًا دون مقابل مادي مُجزي. كثيرون فضّلوا أعمالًا أسرع دخلًا، وتركوا "الصنعة" في أيدي كبار السن فقط، الذين ما زالوا يحاولون التشبث بما تبقى من ذاكرة قريتهم.

تراث مهدد بالضياع

تُعد طحلة نموذجًا حيًا لمجتمعات صغيرة كانت تقوم على الحِرَف، فأوجدت لنفسها اقتصادًا خاصًا، وتراثًا بصريًا، وشخصية مستقلة، لكنها الآن مهددة بفقدان هويتها التاريخية. بعد أن كانت القرية تنتج مئات الأنوال سنويًا، لا يتجاوز إنتاجها حاليًا العشرات، وغالبًا يتم من المنازل بشكل فردي وعلى استحياء.

رغم ذلك، ما زال في طحلة نفوس مؤمنة بقيمة ما تملكه القرية، تطالب بإحياء التراث، وتوفير الدعم، وتدريب الشباب على الحرفة، وفتح الأسواق من جديد أمام منتجٍ يحمل بصمة مصرية خالصة.

أمل في بعث الحياة من جديد

صوت "النول" في طحلة لم ينقطع تمامًا، لكنه خفت كثيرًا. ومع كل ضربة خيط، تُنسج أمنية في قلب الحاج محمد وغيره من أصحاب الحرفة: أن يعود لهذا الفن المصري مكانته، وأن تتحول القرية مرة أخرى إلى مركز إنتاج يُحتذى به، لا مجرد ذكرى جميلة في ذاكرة الزمن.

صناعة السجاد

تم نسخ الرابط