عاجل

ما أغلى تبرع قدمته في حياتك؟

سؤال بسيط، لكن إجابته قد تحمل معنى أعمق مما نظن.

في منتصف التسعينات، كنا طلبة في جامعة القاهرة، وأمام كلية التجارة، بالقرب من منطقة الكافيتريات الشهيرة، كانت تقف كل يوم سبت سيارة إسعاف بداخلها شباب أطباء يدعون الطلاب للتبرع بالدم، يشرحون ببساطة أهمية التبرع لتوفير أكياس لبنك الدم، لمساعدة المرضى المحتاجين بانتظام، أو لإنقاذ من هم في أقسام الطوارئ والعمليات الحرجة.

كانوا يشرحون أيضًا فوائد التبرع للمتبرع نفسه؛ من تنشيط الدورة الدموية إلى تقوية جهاز المناعة.

كنت أحرص دائمًا على المشاركة، وأتحمل لحظات سحب الدم وأنا أتخيل أن هناك من تتوقف حياته على هذا السائل الأحمر الدافئ الذي ينساب من شراييني. كنت أدعو أن يجعله الله في ميزان حسناتي، وأن يكون سببًا في إنقاذ روح إنسان لا أعرفه.

بعدها بسنوات قليلة، اضطررت لإجراء جراحة دقيقة. طلب مني الطبيب الشهير أن أتبرع لنفسي بكيسين من الدم، ليُعاد نقلهما إليّ خلال العملية، كوسيلة آمنة لحماية مناعتي، لكن نزيف اصابني تتطلب نقل دم أكثر ، فلجأ الطبيب لبنك الدم ،كانت هذه المرة الثانية التي أُدرك فيها قيمة كل نقطة دم.

ومرّت الأيام، حتى خضع والدي لعملية قلب مفتوح، وكان لا بد من توافر 8 أكياس دم قبل إجرائها. وقتها تمنيت أن يكون دمي هو الذي يسري في شرايين والدي، فيعيد له الحياة.

وحين مرض زوجي، احتجنا يوميًا إلى أكياس دم وبلازما تُعطى له في غرفة العناية المركزة، وكان لا بد من تعويضها بمتبرعين آخرين.

تخيلوا كم كيس دم ورد في هذا المقال فقط لشخص واحد… فماذا لو لم يكن هذا السائل متوفرًا؟

سائل لا يُصنع، ولا يُعوّض بثمن مهما ارتفع.

تذكرت كل هذا وأنا أقرأ لافتة حملة وزارة الصحة للتبرع بالدم، التي تطلق يوم السبت ٢٨ يونيو، في كافة محافظات الجمهورية،على هامش الاحتفال السنوي باليوم العالمي للمتبرعين بالدم، وهي مناسبة تُطلقها منظمة الصحة العالمية سنويًا لتكريم ملايين الأشخاص الذين يتبرعون بدمائهم طوعًا ودون مقابل، مانحين غيرهم فرصة ثانية للحياة.

بعيدًا عن المال والعطايا، يمكن اعتبار هؤلاء المتبرعين هم الأكثر سخاءً، لأن تبرعهم يُنقذ الأرواح، ويجسد روح التضامن في المجتمع.

وإن كان الهدف من هذا اليوم هو الشكر، فإنه أيضًا يذكّرنا بالحاجة الدائمة والمُلحّة للتبرع الآمن والمنتظم، لمرضى لا تفي احتياجاتهم مرة واحدة فقط، بل يحتاجون دعمًا مستمرًا، وبعضهم قد يفقد حياته لأن كيسًا واحدًا لم يكن موجودًا.

يكفي أن نعرف أن عدد المصابين بفقر الدم حول العالم يتجاوز ٧٠٠ مليون شخص، بخلاف مرضى السرطان، والكبد الوبائي، والحوادث، والعمليات المعقدة.

كل هؤلاء، مهما امتلكوا من أموال، لا يمكنهم شراء حياة بدون كيس دم.

اكتشفت أن أغلى ما قدّمته في حياتي، ربما لم يكن مالًا، ولا جهدًا، ولا وقتًا…

بل كان كيس دم، قد يكون أنقذ حياة إنسان في مكان ما.

تم نسخ الرابط