«أتريب ببنها».. حكاية مدينة فرعونية تواجه الإهمال وتناشد الذاكرة

على بُعد خطوات من إستاد بنها الرياضي، تقبع واحدة من أقدم وأعرق المدن الفرعونية في التاريخ المصري، مدينة "أتريب"، التي كانت يومًا ما مركزًا دينيًا وتجاريًا هامًا في عصور مصر القديمة، وتحولت اليوم إلى أطلال منسية تعاني من الإهمال، وتشكو غياب الدولة، وتُستباح حرمتها على يد الخارجين عن القانون.
أتريب.. تاريخ مدفون تحت التراب
تعود نشأة "أتريب" إلى عصر الدولة القديمة، وازدهرت بشكل كبير في العصر المتأخر، خاصة في عهد الأسرة 26، وكانت عاصمة للإقليم العاشر من أقاليم الدلتا. وقد ذُكرت في النصوص المصرية القديمة باسم "حات حرييب"، وكانت تضم معابد كبرى ومنازل ذات طابع معماري متميز، وكانت مركزًا للصناعات والحرف والفكر، فضلًا عن دورها الديني، حيث وُجد بها معبد للإلهة "باستت".
وقد اكتُشف فيها العديد من القطع الأثرية المهمة، من بينها تماثيل وأوانٍ وتمائم فرعونية نادرة، بالإضافة إلى الحمامات الأثرية الشهيرة التي تعود للعصر الروماني، والتي كانت تُستخدم كمنتديات للتجمع والنقاش، وتضم حجرات تسخين وممرات لتصريف المياه، بنيت كلها من الطوب الأحمر المغطى بطبقات من الجير والحمرة.
منطقة أثرية تتحول إلى مأوى للمخاطر
ورغم هذا التاريخ العريق، تُركت منطقة أتريب الأثرية عرضة للإهمال، ومرتعًا للكلاب الضالة والمنحرفين، ومقلبًا لمخلفات البناء والقمامة، وسط غياب كامل للدولة وهيئة الآثار. وأصبح الموقع الذي يُفترض أن يكون قبلة للباحثين والسياح، عبارة عن تلال مهجورة تفتقر لأبسط مقومات الحماية أو التوثيق.
ورُصدت حالات تعدٍّ على أراضٍ أثرية مجاورة، وسط تهاون واضح من الإدارات المحلية، ما دفع بعض السكان إلى التأكيد أن الإهمال قد يكون متعمدًا لتسهيل الاستيلاء على الأراضي.
مطالب شعبية لإنشاء متحف أثري للقليوبية
في ظل هذا الإهمال، أطلق أبناء مدينة بنها وعدد من المثقفين والمهتمين بالشأن الأثري، دعوات متكررة لإنشاء متحف آثار مركزي لمحافظة القليوبية، يجمع ما تبقى من مقتنيات أثرية نادرة، ويحفظ تاريخ الإقليم الذي يزخر بعدد من المواقع الفرعونية والرومانية والقبطية والإسلامية المهمة.
واقترح الأهالي عدة مواقع لإقامة المتحف، من بينها مقر مكتبة المنار على كورنيش النيل، أو تخصيص أحد طوابق قصر ثقافة بنها، أو إعادة استغلال مبنى الحملة الميكانيكية القديم الذي يُقال إنه كان منزلًا لحكمدار القليوبية في السابق.
شهادات من الواقع: من الحضارة إلى الخراب
ويقول أحد المثقفين في بنها: "يؤلمنا أن نرى التابوت الأثري للمشرف على الحريم الملكي، (بف ثيو آمون)، ملقى في العراء، تتآكله عوامل الجو، وتغطيه الأتربة، بدلًا من عرضه في قاعة عرض مجهزة داخل متحف رسمي يليق به".
ويؤكد أحد المواطنين: "تحولت أرض الحضارة إلى مأوى للبلطجية ومدمني المخدرات، بينما تاريخنا يُهدر أمام أعيننا".
ويضيف آخر: "رؤوس الأعمدة الأثرية اليوم تُشاهد وسط القمامة، في مشهد لا يقبله لا الضمير الوطني ولا أي مصري يعرف قيمة تاريخه".
نداء إلى الدولة: أنقذوا أتريب
يناشد أهالي بنها، وزارة السياحة والآثار ومحافظة القليوبية، بوضع خطة عاجلة لإنقاذ ما تبقى من منطقة أتريب الأثرية، وتوثيق محتوياتها، وتأمينها، وتحويلها إلى مقصد ثقافي وسياحي وتعليمي، مع إنشاء متحف لآثار القليوبية يكون واجهة حضارية لتاريخ طال نسيانه.