هل يتأثر مسار التطبيع بين أحمد الشرع وإسرائيل بعد الحرب مع إيران؟

في الشهر الماضي، التقى الرئيس السوري الحالي “أحمد الشرع” برجل الأعمال الأمريكي “جوناثان باس”، المعروف بقربه من الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، وذلك في قصر الشعب بدمشق. وذكر باس في مقال نُشر بصحيفة Jewish Journal أن حوارًا دار بينه وبين الرئيس السوري داخل القصر الرئاسي، الذي أعيدت تسميته مؤخرًا بـ”قصر الشعب”، وقال الشرع: أريد أن أكون واضحًا… يجب أن ينتهي عصر القصف المتبادل الذي لا نهاية له. لا يمكن أن تزدهر أي دولة في ظل أجواء يسودها الخوف. الحقيقة أننا نواجه أعداء مشتركين، ويمكننا أن نلعب دورًا محوريًا في الأمن الإقليمي”، في إشارة مباشرة إلى إسرائيل.
ووفقًا لدراسة أعدها مركز رع للدراسات الاستراتيجية، قد أثارت هذه التصريحات جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية، خاصةً أن الشرع كان قد تبنّى سابقًا خطابًا تصعيديًا تجاه إسرائيل، في أعقاب ضرباتها للمنشآت الحيوية داخل سوريا، بما في ذلك القواعد العسكرية، وخرق اتفاق فصل القوات لعام 1974، فضلًا عن احتلال جبل الشيخ وأجزاء من جنوب البلاد. ويُعد هذا التحول في الخطاب من الشرع مفاجئًا ومثيرًا للشكوك.
تأسيسا على ما سبق، يحاول هذا التحليل التطرق إلى مستقبل التطبيع بين نظام الشرع وإسرائيل بعد انتهاء الحرب بين طهران وتل أبيب؟
اتجاهات الخطاب:
منذ تولي “أحمد الشرع” رئاسة الجمهورية، اتسمت خطاباته تجاه إسرائيل بالتصعيد والرفض القاطع لما وصفه بالمؤامرات الإسرائيلية ضد الأمن القومي السوري. ودعا في أكثر من مناسبة المجتمع الدولي إلى التصدي للمخططات الاستيطانية والتوسعية الإسرائيلية. ومن أبرز خطاباته في هذا السياق، خطابه خلال لقائه وزير الخارجية القطري في دمشق بتاريخ 16 يناير 2025، حيث قال: “الوجود الإسرائيلي في جنوب سوريا كان يُبرَّر بوجود الميليشيات الإيرانية وحزب الله، لكن بعد تحرير دمشق لم يعد لتلك الميليشيات وجود فعلي، وبالتالي انتفى مبرر التدخل الإسرائيلي. نحن ملتزمون باتفاق 1974 ومستعدون لاستقبال القوات الأممية لضمان الأمن وعودة الأوضاع لما كانت عليه”.
كذلك، ألقى خطابًا قويًا في القمة العربية الطارئة بتاريخ 4 مارس 2025 بعد عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، جاء فيه: “فلسطين تعيش فصولًا مأساوية نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر، وعمليات التهجير القسري والاستيطان التي تهدف إلى طمس الهوية الفلسطينية. إسرائيل تسعى لإعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة على حساب أرواح الفلسطينيين. ونؤكد رفضنا للهجمات الإسرائيلية على سوريا، وندعو المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل للانسحاب الفوري من الجنوب السوري”.
من جانبه، عبّر رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” عن نوايا توسعية واضحة تجاه سوريا، مشيرًا إلى خطة لجعل مناطق القنيطرة ودرعا والسويداء منزوعة السلاح، وتثبيت الوجود العسكري الإسرائيلي في جبل الشيخ والمنطقة العازلة. وفي 23 فبراير 2025، صرح نتنياهو خلال حفل تخرج للضباط في مدينة حولون قائلًا: “لن نسمح لقوات هيئة تحرير الشام أو الجيش السوري الجديد بدخول جنوب دمشق”. وفي لقاء مع وزير الخارجية الأمريكي “ماركو روبيو”، أضاف نتنياهو: “ستتصرف إسرائيل لمنع أي تهديد أو إطلاق هجمات قرب حدودنا الجنوبية”.
تحولات مفاجئة:
شهدت الأشهر الأخيرة تغييرات لافتة في مواقف الشرع، خاصةً بعد لقائه بالرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في الرياض، والذي وعده برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، ودعاه إلى الانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام”. كما كشفت وكالة “رويترز” عن لقاءات مباشرة جرت مؤخرًا بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين لاحتواء التوتر. وأكد الشرع خلال لقائه بالرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” في 7 مايو 2025 أن مفاوضات غير مباشرة تُجرى مع الجانب الإسرائيلي عبر وسطاء بهدف التهدئة ومنع التصعيد.
وفي تصريح نقله “جوناثان باس”، قال الشرع: “نرغب في العودة إلى روح اتفاق 1974 ليس فقط لوقف إطلاق النار، بل كأساس لضبط النفس المتبادل وحماية المدنيين، وخاصةً المجتمعات الدرزية في الجنوب السوري ومرتفعات الجولان. نحن لا نقترح تطبيعًا فوريًا، ولكننا منفتحون على محادثات مستقبلية تقوم على السيادة والقانون الدولي”.
ويشير هذا التغير في الخطاب إلى انفتاح سوري على المعسكر الغربي، خصوصًا الولايات المتحدة، وربما بداية لعملية تفاهم تدريجي مع إسرائيل رغم استمرار الضربات على الأراضي السورية.
مسارات مختلفة:
من خلال تحليل التصريحات السابقة وتحليل مضمونها، يمكن رسم ثلاثة مسارات محتملة لمستقبل العلاقات السورية-الإسرائيلية، هي كالتالي:
(-) المسار الأول،- تحسن تدريجي قد يصل إلى تطبيع كامل، خاصة في ظل ضغوط أمريكية مصحوبة بوعود بضخ استثمارات اقتصادية وإعادة إعمار سوريا. وقد تكون “اتفاقيات أبراهام” الإطار المقترح لذلك.
(-) المسار الثاني،- حدوث تحسن محدود للعلاقات يقتصر على وقف التصعيد العسكري، دون تطبيع رسمي. وذلك تجنبًا لغضب شعبي، خاصةً أن الشرع نفسه أعلن عدم رغبته في التطرق إلى التطبيع حاليًا.
(-) المسار الثالث (الأضعف)،- استمرار القطيعة وسوء العلاقات، وذلك في حال لم تُقدم إسرائيل أية مبادرات حقيقية لتحسين الوضع، واستمرت في احتلال الجنوب السوري والمنطقة العازلة.
لكن رغم ترجيح المسار الأول، وهو حدوث تحسن تدريجي في العلاقات السورية الإسرائيلية قد يصل إلى تطبيع كامل، خاصة في ظل ضغوط أمريكية مصحوبة بوعود بضخ استثمارات اقتصادية وإعادة إعمار سوريا. وقد تكون “اتفاقيات أبراهام” الإطار المقترح لذلك،- إلا أن المشهد الذي انتهت عليه حرب الـ12 يومًا بين إسرائيل وإيران، ربما يؤدي إلى إعادة “الشرع” حساباته تجاه علاقاته المتسارعة تجاه إسرائيل، خاصة وأنه قبل انطلاق الحرب بين الطرفين، كان “الشرع” أكثر استعجالًا فيما يتعلق بمسار التطبيع، فقد قال “الشرع” أثناء مقابلة أجراها مع صحيفة “جويش جورنال (الصحيفة اليهودية)” الأمريكية المتخصصة في متابعة الشؤون اليهودية، في 28 مايو الماضي إن ” عصر التفجيرات المتبادلة التي لا تنتهي” يجب أن ينتهي؛ إذ أنه لا يمكن لأمة أن تزدهر “عندما تمتلئ سماؤها بالخوف”، موضحا أن “الحقيقة هي أن لدينا (سوريا وإسرائيل) أعداء مشتركون، ويمكننا الاضطلاع بدور رئيسي في الأمن الإقليمي”.
وفقًا للمراقبين، يرجّح أن يكون العدو المشترك الذي أشار إليه الرئيس السوري مع الصحفية اليهودية، هو إيران، التي تشكل تهديدًا لكلا الجانبين. فبعد سقوط نظام “بشار الأسد”، تسعى طهران إلى استعادة نفوذها داخل سوريا، ما يشكل خطرًا على أمن إسرائيل من جهة، وعلى استقرار النظام السوري الجديد من جهة أخرى. لكن رغم استغلال واشنطن لهذا التقاطع في المصالح بين دمشق وتل أبيب لاحتواء التمدد الإيراني وإعادة بناء نفوذها في منطقة المشرق العربي، بما في ذلك لبنان وسوريا،- إلا أن الدور الذي قام به الرئيس الأمريكي “ترامب” في وقف اطلاق النار بين إيران وإسرائيل قد يؤجل من سرعة دفعة لتطبيع العلاقات بين أحمد الشرع وإسرائيل.
في النهاية، يمكن القول إنه من المرجح أن تعمل الولايات المتحدة على دفع سوريا نحو تحسين العلاقات مع إسرائيل عبر رفع العقوبات الاقتصادية وتقديم دعم استثماري، ما يساهم في تعزيز الاستقرار الداخلي السوري وتحقيق مصالح استراتيجية للغرب في مواجهة النفوذ الإيراني.