دراسة حديثة: فمك قد يكشف حالتك النفسية.. البكتيريا الفموية وعلاقتها بالأكتئاب

في تطور علمي لافت يسلط الضوء على العلاقة بين صحة الفم والصحة النفسية، كشفت دراسة أمريكية جديدة أن تنوع البكتيريا الموجودة في الفم قد يكون مؤشرًا خفيًا على احتمالات الإصابة بالاكتئاب، ما يفتح آفاقًا غير مسبوقة لفهم ميكانيزمات الاضطرابات النفسية وربطها بعناصر غير تقليدية.
تحليل آلاف الحالات.. والبداية من اللعاب
الدراسة التي نشرت في مجلة BMC Oral Health، جاءت تحت عنوان "العلاقة بين الاكتئاب وتنوّع الميكروبيوم الفموي: تحليل لبيانات NHANES (2009–2012)"، واعتمدت على تحليل بيانات أكثر من 15 ألف شخص بالغ ضمن المسح الوطني الأمريكي للصحة والتغذية (NHANES)، الذي يجريه مركز السيطرة على الأمراض (CDC).
وقام الباحثون بتحليل عينات من مضمضة الفم، مستخدمين تقنيات وراثية دقيقة لقياس تنوّع البكتيريا (Alpha وBeta Diversity)، إلى جانب تقييم الحالة النفسية للمشاركين وفق مقياس الاكتئاب الشائع PHQ-9.
كلما قل التنوع.. زادت الأعراض
أظهرت النتائج أن الأشخاص الذين يتمتعون بتنوع بكتيري أقل داخل الفم كانوا أكثر عرضة للإصابة بأعراض الاكتئاب، خاصة بين الرجال والبيض من غير أصول لاتينية. وبيّنت التحليلات أن هذا الارتباط ظل قائمًا حتى بعد استبعاد تأثير عوامل أخرى كالعمر والجنس والتدخين والأمراض المزمنة واضطرابات النوم.
ويشير الباحثون إلى وجود "نقطة توازن مثالية" للتنوع البكتيري، إذ إن زيادة التنوع البكتيري تؤثر إيجابًا على المزاج حتى مستوى معين، وبعده لا تظهر فوائد إضافية واضحة.
ما الذي يربط الفم بالمزاج؟
رغم أن الدراسة لا تُثبت علاقة سببية مباشرة، إلا أنها تطرح عدة فرضيات بيولوجية مثيرة. فبعض أنواع البكتيريا الفموية قد تؤثر على مستويات الالتهاب أو تحفّز الجهاز المناعي أو تُفرز مركبات كيميائية تؤثر على النواقل العصبية في الدماغ.
كما يمكن أن تنتقل بعض هذه البكتيريا إلى الجهاز الهضمي، ما يُحدث تغيّرات في ميكروبيوم الأمعاء، والذي يرتبط بدوره بحالات مثل الاكتئاب والقلق.
في المقابل، لا يُستبعد أن تكون العلاقة عكسية أيضًا؛ إذ يُعرف أن مرضى الاكتئاب غالبًا ما يُهملون نظافة الفم أو يستخدمون أدوية تؤثر على إفراز اللعاب، ما يُغيّر بيئة الفم ويؤثر على توازن الميكروبيوم.
مستقبل العلاجات.. من الفم إلى الدماغ؟
من جانبها، صرّحت الدكتورة بيي وو، عميدة الأبحاث في كلية التمريض بجامعة NYU وأحد كبار مؤلفي الدراسة، بأن هذه النتائج تفتح الباب أمام استراتيجيات وقائية أو علاجية جديدة في مجال الصحة النفسية، تعتمد على تعزيز صحة الفم، سواء من خلال البروبيوتيك أو تعديل النظام الغذائي أو تحسين الروتين اليومي للعناية بالفم.
إذا كنت تعتني بفمك، فقد تكون بذلك تعتني أيضًا بحالتك النفسية. فالميكروبيوم الفموي، الذي لطالما ارتبط فقط بصحة الأسنان واللثة، قد يتحوّل مستقبلًا إلى مؤشر بيولوجي مهم للصحة العقلية.