علي جمعة: النبي لم يأتِ بثقافة الانتقام بل أسس دولة العدل والرحمة

أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن النبي محمد ﷺ، قدّم للبشرية أرقى نموذج في التعامل مع الظلم والعدوان، مبينًا أن الإسلام لم يأتِ بثقافة الانتقام، بل أسّس لدولة تحكمها الرحمة والعدل والقانون.
وفي حلقة خاصة بمناسبة الهجرة النبوية، عبر قناة "الناس"، استعرض علي جمعة واقعة رواها أحد الصحابة حين طلب من النبي ﷺ الإذن بالقتال ردًا على ظلم قريش، قائلاً: "استعرض بنا الوادي، كفاية ظلم بقى، نقاتلهم بقى!"، مشيرًا إلى أن وجه النبي ﷺ تمعّر غضبًا، أي تغير تعبيره رفضًا لهذا الفهم الخاطئ.
وأوضح علي جمعة أن سبب غضب النبي لم يكن ضعفًا أو خوفًا، بل رفضًا لفكرة تحويل رسالته إلى فعل ميليشياوي أو عنف غير منضبط، مؤكدًا: "النبي ﷺ لم يأتِ كزعيم جماعة أو قائد فصيل مسلّح، بل جاء نبيًا ورسولًا ومؤسسًا لدولة تنشر العدل وتحترم القيم".
الإسلام لا يعرف القتال
وشدد علي جمعة على أن القتال في الإسلام ليس وسيلة للهجوم أو الثأر، وإنما يُشرع فقط في حالات الدفاع عن النفس والعقيدة والوطن، وتديره دولة منظمة لا أفراد ولا جماعات.
وقال علي جمعة: "النبي ﷺ قال في الرد على الصحابي الذي طلب القتال: (ألا إني رسول الله، ولا ينصرن الله هذا الدين حتى تسير الضعينة من مكة إلى الحيرة لا تخاف إلا الله والذئب على غنمها)، أي أن الأمن الحقيقي لا يُبنى على الانتقام، بل على إرساء السلام والاستقرار".
وأشار علي جمعة إلى أن هذا الحديث يحمل رسالة قوية بأن النصر في الإسلام ليس بالصدام الدموي، بل بالثبات على المبادئ ونشر قيم الأمان، مضيفًا: "الإسلام جاء ليصنع حضارة، لا ليخلق صراعات عبثية".
التربية النبوية
وأردف علي جمعة، أن النبي ﷺ ربّى أصحابه على الصبر والثبات في مواجهة الأذى والاضطهاد، لا على العنف وردّات الفعل الغاضبة.
وقال علي جمعة: "كان يقول لهم: إن الرجل من قبلكم كان يُنشر بالمناشير من رأسه إلى جسده ولا يترك دينه، يعني كانوا يُبتَلون أشد البلاء ويصبرون، لأنهم أدركوا أن الرسالة أعظم من مجرد الانتصار اللحظي أو الغضب العاطفي".

الهجرة النبوية
واختتم علي جمعة حديثه بالتأكيد على أن هجرة النبي ﷺ من مكة إلى المدينة لم تكن هروبًا من المواجهة، بل انتقالًا نحو بناء دولة قائمة على المبادئ والقيم، قائلًا: "في المدينة أسس النبي ﷺ أول دولة قانونية في الإسلام، تُحكم بالشورى والعدالة، لا بالميليشيات ولا بالاجتهادات الفردية".
وأكد علي جمعة أن من يتحدث اليوم باسم الدين ليبرر العنف أو الفوضى، لا يفهم المنهج النبوي، داعيًا المسلمين إلى التمسك بالرحمة وضبط النفس والتفكير المؤسسي الذي جسّده النبي ﷺ في أقواله وأفعاله.