ثلاثية معقدة.. أين تقع باكستان في معادلة حرب إيران وإسرائيل؟

تعد العلاقات بين الدول الثلاث إسرائيل وباكستان وإيران من نوعية العلاقات المعقدة والمتشابكة أحيانا. فالعلاقات ما بين إسرائيل وباكستان ليست علاقات جيدة. والعلاقات ما بين إسرائيل وإيران ليست علاقات جيدة بل أنها تطورت لعلاقات عدائية لأول مرة في تاريخ البلدين منذ انشاء إسرائيل أو منذ حدوث الثورة الإسلامية في إيران.
كما أن العلاقات الباكستانية الإيرانية ليست دائما في أحسن أحوالها. فالمشتركات بين هذه الدول كثيرة، منها تشابه النشأة مثل إسرائيل وباكستان ومنها تشابه الديموجرافيا مثل باكستان وإيران.
ووفقًا لدراسة أعدها مركز رع للدراسات الاستراتيجية، وعليه يمكن القول، إن أوجه التشابه لا تخفي أوجه تناقضات كثيرة بين الدول الثلاث، فإسرائيل وإيران لهما مشروعات تنافسية وعدائية في الشرق الأوسط، وهما دولتين يمثلان دول الجوار الجغرافي للدول العربية. أما باكستان، ليست لها مشروع نفوذ في الشرق الأوسط، ولكن لها منافس تقليدي يتمثل في الدولة الأم التي انفصلت عنها، وهي الهند. والآن وبسبب الصراع الإسرائيلي الإيراني المتصاعد، امتدت آثار هذا الصراع رغم قصر مدته الزمنية ليكون له تداعيات أمنية وجيوسياسية واقتصادية بعيدة المدى على باكستان، جارة إيران. وكأن إسرائيل باتت بؤرة القلق العالمي والتي تعدت تداعيتها سلوكها العدواني وغير المنضبط المنطقة العربية برمتها.
إيران وباكستان:
تشترك إيران في حدود بطول 909 كيلومترات (560 ميلاً) مع إقليم بلوشستان الباكستاني المضطرب. وهو الأمر الذي دفع بالمسؤولين في باكستان بالإعلان عن إغلاق العديد من المعابر الحدودية مع إيران إلى أجل غير مسمى، وهو إجراء طبيعي بين الدول المتجاورة جغرافيا في أوقات العمليات العسكرية والتي قد يكثر فيها أعمال التهريب وعدم الاستقرار الأمني. مع ترك معبرًا “تفتان وغبد ريمدان” في جنوب غرب بلوشستان مفتوحين أمام المواطنين الباكستانيين الراغبين في العودة إلى ديارهم. لذلك وصل مئات الباكستانيين المقيمين عادةً في إيران إلى معبر تفتان الحدودي لمواصلة طريقهم إلى وطنهم.
ولقد اتسمت العلاقة بين باكستان ذات الأغلبية السنية وإيران ذات الأغلبية الشيعية بالتعقيد، حيث تأثرت المنطقة الحدودية بهجمات الانفصاليين البلوش الذين يخوضون حرب استقلال ضد الدولة الباكستاني، حيث يتهم جيش تحرير بلوشستان الحكومة المركزية الباكستانية بالاستغلال غير العادل للموارد الطبيعية في المنطقة.
ويشار إلى أن إيران تتهم باكستان بالتقصير في منع تسلل عناصر جيش العدل. وفي المقابل تتهم باكستان إيران بدعم جماعات شيعية داخل أراضي باكستان. وفي عام 2024 نفذت إيران ضربات على أرض باكستان، استهدفت بها عناصر اعتبرتها إرهابية، وهو ما ردت عليه باكستان، ويعني وجود توتر بين البلدين، ولكن غالبا ما يتم احتواءه دون التوصل لحلول جذرية بين البلدين.
أما عن تداعيات الصراع الإسرائيلي الإيراني، فيتمثل فيما هو يعنى حدوث نقطة تحول خطيرة، ليس فقط على الصعيد الجيوسياسي على باكستان، وفقًا للمحلل الباكستاني المقيم في الولايات المتحدة، رضا رومي، لـ DW: ، الذي قال إن التداعيات ليست بعيدة كل البعد بالنسبة لإسلام آباد. وأضاف رومي أن “بصفتها- أي باكستان دولة ذات علاقات وثيقة مع حلفائها الرئيسيين في الخليج، وعلاقة معقدة مع إيران، ستواجه ضغوطًا للحفاظ على الحياد مع حماية مصالحها الاستراتيجية.
ويرى بعض المحللين أنه يكون لتصاعد الصراع واحتمال انهيار النظام الإسلامي في طهران تداعيات أمنية خطيرة على باكستان. كما أن الهجمات الانفصالية في بلوشستان، قد تؤثر على أمن حدود باكستان واستقرارها الداخلي، مما يشكل تحديًا لجهازها الأمني المتوتر أصلًا. وقد يؤدي انهيار طهران إلى مطالبات بالحكم الذاتي لبعض الجماعات الاثنية والعرقية، مما سيشجع البلوش في باكستان للمطالبة بالانفصال. من ناحية أخرى، قال محمد شعيب، الأستاذ المساعد في جامعة قائد أعظم، إن “الحرب على الحدود الغربية مع إيران تُمثل إشكالية لباكستان، وخاصة إقليم بلوشستان المضطرب. وأضاف شعيب أن أي تغيير في الوضع الراهن سيكون مُقلقًا، وأن ضعف النظام سيُمثل أيضًا تحديًا أمنيًا.
وعلى الصعيد الاقتصادي، جدد الصراع المتصاعد بين إسرائيل وإيران التركيز على أمن مضيق هرمز، وهو ممر مائي استراتيجي بين عُمان وإيران، يربط الخليج العربي بخليج عُمان وبحر العرب. وقال رومي إن اتساع نطاق الصراع في الشرق الأوسط، وخاصةً حول مضيق هرمز، قد يُعطّل إمدادات النفط العالمية ويرفع الأسعار. وأضاف رومي، الذي أشار إلى أن باكستان تُعاني بالفعل من التضخم وانخفاض قيمة عملتها ونقص في الطاقة: “مثل بقية العالم، ستتأثر باكستان بشدة، وقد تُخاطر الحرب بتعطيل كبير لتدفقات النفط عبر مضيق هرمز، مما قد يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار الطاقة العالمية. ونتيجةً للحرب، قد يُؤدي ارتفاع تكاليف الوقود إلى اضطراب الأسواق والقطاعات الرئيسية، مثل توليد الكهرباء والنقل والزراعة، مما يُفاقم الأزمة المالية ويُزيد من الضغوط على الأسر المُحتاجة، الأمر الذي له انعكاساته السلبية على الأوضاع المعيشية في باكستان. فضلا عن أن باكستان – وهي دولة ذات أغلبية سنية، يمكن أن تواجه فتنة طائفية حيث يشكل الشيعة حوالي 15% من السكان – امتدادًا محتملًا للتوترات الطائفية، وقد تشهد البلاد تجددًا في الدعاية والعنف الموجه والأنشطة بالوكالة، خاصة إذا تم إضفاء الرمزية الدينية والخطاب الطائفي على خطاب الحرب.
علاقات غريبة:
يمكن وصف العلاقات الإسرائيلية الباكستانية بالعلاقةٌ الغريبة. على الصعيد الرسمي، لا وجود لأي علاقة في باكستان، لم يُكتب الكثير عن هذه “العلاقة”، باستثناء عدم اعتراف باكستان بإسرائيل. ووفقًا للكاتب الهندي بي آر كوماراسوامي، فإن كلا البلدين يُحافظان على “السرية” في هذا الصدد التي تُمكّنهما من الحفاظ على بعض الاتصالات، على الرغم من إظهار العداء تجاه بعضهما البعض علنًا.
وتاريخيا، قبل تأسيس باكستان عام 1947، كان مؤسسها محمد علي جناح يعارض إنشاء دولة صهيونية في فلسطين. ومع ذلك، فبعد تأسيس إسرائيل تقريبًا في مايو 1948، أرسل أول رئيس وزراء لها، ديفيد بن غوريون، برقية إلى جناح، يدعوه فيها إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وقد اختار وقتها جناح عدم الرد في عام 2007، حيث كتب المؤرخ الإسرائيلي موشيه يغار أن “إسرائيل كانت تعتقد في أوائل خمسينيات القرن الماضي، بإمكانية إقامة علاقات تجارية مع باكستان. يذكر أنه تم التواصل بين سفير باكستان في لندن وممثلين عن دولة إسرائيل.
ثم، في عام 1953، التقى وزير الخارجية الباكستاني ظفر الله خان بسفير إسرائيل في الولايات المتحدة، أبا إيبان، في نيويورك. ووفقًا ليغار، أخبر ظفر الله إيبان بوجود دعم واسع النطاق للفلسطينيين في باكستان، وبالتالي سيكون من شبه المستحيل على بلاده إقامة أي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. ووفقًا ليغار، ذكر ظفر الله أيضًا “ضغوط المتطرفين”. وبهذا، استنتج يغار أن ظفر الله كان يقصد الإسلاميين. هذا الاستنتاج غير صحيح على الأرجح، لأنه حتى سبعينيات القرن الماضي، كانت المشاعر المعادية لإسرائيل في باكستان، هي الأقوى بين الجماعات اليسارية، فعلى سبيل المثال، قادت جماعات تقدمية/يسارية المسيرات الكبيرة المناهضة لإسرائيل في باكستان عام 1956. وكانت مشاركة الأحزاب الإسلامية فيها شكلية.
وفي عام 1962، أعلنت باكستان أن إسرائيل “دولة سارقة”. وخلال حرب 1967 العربية الإسرائيلية، أرسل سلاح الجو الباكستاني مجموعة من الطيارين المقاتلين الباكستانيين لدعم القوات العربية. ومع ذلك، عرضت إسرائيل في عام 1971، عندما دمر فيضان ما كان يُعرف سابقًا بباكستان الشرقية، إرسال إمدادات طبية وغذائية، وهو الامر الذي رفضت باكستان حينئذ.
استكمالًا لما سبق، يمكن القول إن باكستان، أقامت علاقات وطيدة مع منظمة التحرير الفلسطينية، لكن في عام 1970، عندما بدأ ملك الأردن ينظر إلى قواعد منظمة التحرير الفلسطينية في بلاده كتهديد لسلطته، أطلق العنان للجيش الأردني ضد الفلسطينيين. كان أحد أبرز المدربين في الجيش الأردني آنذاك العميد الباكستاني ضياء الحق، والذي تم أُرساله إلى الأردن من قِبل الجيش الباكستاني لمساعدة الأردن في بناء قوة قتالية فعالة.
ولقد قُتل آلاف الفلسطينيين على يد هذه القوة. حيث، نسق ضياء الحق شخصيًا هجمات مختلفة ضد منظمة التحرير الفلسطينية لطردهم من الأردن، التي بعدها تدهورت العلاقات بين باكستان ومنظمة التحرير الفلسطينية بشكل حاد. لكنه تم اصلاح العلاقات في النهاية من قبل نظام على بوتو في السبعينات وبعد هذه الحادثة. في عام 1974، اعترف بوتو تمامًا بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للفلسطينيين. وفي العام نفسه، وافقت الحكومة الباكستانية على توفير التدريب العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية.
في يوليو 1977، أطاح الجنرال ضياء الحق بنظام بوتو. وفقًا للكاتب الإسرائيلي شلومو بروم في كتابه “خلف الحجاب”، لعب ضياء الحق دورًا رئيسيًا في مساعدة مصر على العودة إلى العالم العربي عندما أقامت مصر علاقات مع إسرائيل عام 1978، وقاطعتها دول عربية أخرى لفترة وجيزة.
في عام 1980، أصبحت باكستان طرفًا فاعلًا في “عملية الإعصار”، وهو برنامج سري أطلقته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لتزويد المتمردين الأفغان سرًا بالأسلحة في حربهم ضد القوات السوفيتية في أفغانستان. ومن بين طرق تحقيق ذلك تسليم نظام ضياء الحق أسلحة من إسرائيل، ثم تسليمها للمتمردين. وكانت معظم الأسلحة التي أرسلتها إسرائيل هي تلك التي استولت عليها القوات الإسرائيلية من منظمة التحرير الفلسطينية. وفي كتابه “حرب تشارلي ويلسون”، كتب الصحفي الأمريكي جورج كريلي أن نظام ضياء الحق تعاون بشكل وثيق مع إسرائيل خلال التمرد الأفغاني، وفي عام 1986، “نصح” ضياء الحق منظمة التحرير الفلسطينية بالاعتراف بإسرائيل، رغم تدهور العلاقات بين منظمة التحرير الفلسطينية وباكستان بشكل كبير آنذاك.
وعلى الرغم من ذلك، في كتاب “الخداع” الصادر عام 2008، يزعم الصحفيان البارزان أدريان ليفي وكاثرين سكوت كلارك أنه في عام 1984، اتفقت الهند وإسرائيل على مهاجمة محطات الطاقة النووية الباكستانية بشكل مشترك. ووفقًا لليفي وسكوت كلارك، كان من المقرر أن توفر الهند قواعد للطائرات المقاتلة الإسرائيلية لهذا الغرض، لكن الولايات المتحدة تدخلت و”حذرت” الهند. بالنسبة للولايات المتحدة، كان نظام ضياء الحق شريكًا بالغ الأهمية في الحرب ضد القوات السوفيتية في أفغانستان. وبعد وفاة ضياء الحق عام 1988، أعادت رئيسة الوزراء بينظير بوتو علاقات البلاد مع منظمة التحرير الفلسطينية. وطوال تسعينيات القرن الماضي، شجّعت باكستان المحادثات بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل بعد أن وافقت الأخيرة على الاعتراف بإسرائيل.
ولقد وُجّهت مزاعم عديدة (بعضها ظهر في وثائق ويكيليكس) حول تبادل متكرر للمعلومات بين وكالات الاستخبارات الإسرائيلية والباكستانية خلال العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين والعقد الثاني منه. كما ترددت شائعات بأن باكستان تُعدّ نفسها لاتباع المملكة العربية السعودية في إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. إلا أن الهجمات الوحشية الأخيرة التي شنّتها إسرائيل على الفلسطينيين العُزّل في غزة قلّلت بشكل كبير من احتمالية حدوث ذلك. علاوة على ذلك، فإنّ الاختراقات الدبلوماسية السريعة التي تحققت في السنوات القليلة الماضية في المحادثات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل قد توقفت أيضًا بعد أفعال إسرائيل في غزة.
انعكاسات التطورات الجارية:
أعلن وزير الدفاع الباكستاني عن وقوفه مع إيران ضد الاعتداء الإسرائيلي، وبسؤاله عما صرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بأن باكستان، هي المستهدفة بعد إيران وأن إسرائيل لن تسمح لدولة إسلامية ان تمتلك السلاح النووي. أجاب بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي ليس في موقف يسمح له بالتفكير في اجاباته، ولكن إذا حدث ذلك فباكستان جاهزة للرد عليه ولكنها لن تبدأ بالهجوم.
على صعيد أخر، التقى الرئيس الأمريكي ترامب بكل من وزير الدفاع الباكستاني ورئيس الأركان. وعلى الرغم من عدم الإعلان عن فحوى اللقاءات،- إلا أنهما ولا شك مرتبطين بالعمليات العسكرية الدائرة بين إيران وإسرائيل، خاصة وأن ترامب يعمل على تحييد باكستان، وربما التأثير عليها ومساومتها لعدم الإعلان عن أنها تساند إيران وأنها ضد إسرائيل. وعليه يمكن القول، إن الولايات المتحدة قد قامت بفرض عقوبات اقتصادية على وزارة الدفاع وبعض شركات السلاح الباكستانية، وهو الأمر الذي يمكن لترامب أن يساوم عليه مع المسؤولين الباكستانيين. خاصة وأن هناك بعض الاخبار المتداولة وغير المؤكدة، تشير إلى تقديم باكستان لمساعدات استخباراتية لإيران.
وختامًا، يمكن القول إنه على الرغم من أن العلاقات المعقدة ما بين باكستان وإسرائيل والتي لم تشهد تقارب واضح إلا في فترات تاريخية قصيرة، ولا توجد علاقات واضحة مع إسرائيل،- إلا أن باكستان تعد حليف للولايات المتحدة الأمريكية رغم انقلاب الولايات المتحدة وفرض عقوبات على برامجها الدفاعية، وهو ما يمكن أن يكون نقطة مساومة لحث باكستان لتخفيف لهجتها اللاذعة تجاه إسرائيل. على صعيد أخر، ورغم أن العلاقات الباكستانية الإيرانية ليست في أفضل الحالات دوما، إلا ان باكستان تتخوف كثيرا من حدوث أية فوضى بالداخل الإيراني، سيؤثر عليها سلبا أكثر مما قد يحدث وجود النظام الإيراني ذاته. ولذلك تحولت باكستان إلى قوة راجحة في الصراع الإسرائيلي الإيراني، وبقدر ما يمكنها التمركز وحسن اتخاذ القرار، بقدر ما سوف يؤثر عليها ذلك في المستقبل.