عاجل

رجبية الإمام علي زين العابدين.. من هو المدفون في ضريحه ومسجده بالقاهرة؟

علي زين العابدين
علي زين العابدين

تحتفي الطرق الصوفية، برجبية علي زين العابدين، ولكن من هو المدفون في ضريح ومسجد سيدي علي زين العابدين بالقاهرة؟

بين التاريخ والرواية الشعبية: رأس زيد بن علي أم علي زين العابدين؟

على ضوء الاحتفال بالمولد الرجبى لسيدي علي زين العابدين، نستعرض من هو المدفون بالضريح: الحقيقة الغائبة خلف القباب. 

في قلب القاهرة القديمة، وبين أزقة باب الشعرية العتيقة، يتربع مسجد وضريح يُعرف عند العامة باسم سيدي علي زين العابدين. وفي كل عام، حين يهل شهر رجب، تتزين الساحة المحيطة بالمولد، وتُضاء القناديل، وتعلو التواشيح، ويتوافد الزائرون من كل حدب وصوب لزيارة هذا المقام الجليل، معتقدين أنه مدفن الإمام علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

لكن خلف هذا الاعتقاد الشائع، تقف رواية تاريخية موثقة تُشير إلى أن المدفون في هذا المقام ليس الإمام زين العابدين الشهير، بل رأس حفيده الثائر، الشهيد العلوي: زيد بن علي. فكيف اختلط الأمر؟ وما الأدلة التي أوردها المؤرخون؟ وهل من آثار تؤكد أن رأس زيد وصل فعلًا إلى أرض الكنانة؟

السياق التاريخي لزيد بن علي: شهيد العترة الطاهرة

يقول الشيخ مصطفى زايد الباحث في شأن التصوف: ولد زيد بن علي بن الحسين سنة (79 هـ / 698 م) في المدينة المنورة، وكان من أفصح بني هاشم علمًا وزهدًا وشجاعة. ثار في الكوفة ضد الحكم الأموي عام (122 هـ / 740 م)، وسعى لإعادة الحق إلى أهله. لكنه، ككثير من الثائرين العلويين، خُذل من أنصاره وقُتل شهيدًا في ميدان المعركة، فصُلب جسده في الكوفة، وأُرسلت رأسه إلى دمشق، ثم نُقلت إلى مصر بأمر الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، لترهيب محبي آل البيت ومنع أي انتفاض محتمل في مصر.

ما الذي تقوله المصادر التاريخية؟

في "تاريخ الرسل والملوك" للطبري، يُذكر بوضوح: "إن رأس زيد بن علي حُملت من الكوفة إلى هشام، ثم أُرسلت إلى مصر".

ويُؤكد ابن الأثير في "الكامل في التاريخ" الخبر ذاته، مضيفًا أن الرأس لم تُرجع إلى العراق بعد ذلك.

أما المقريزي في "المواعظ والاعتبار"، فقد أشار إلى مقامات رؤوس آل البيت بمصر، ومنهم رأس زيد بن علي، وإن لم يُحدّد الموضع بدقة.

حتى ابن خلكان في "وفيات الأعيان" مرّ على واقعة قتله ونقل رأسه دون اعتراض على الرواية

التباس الاسم.. كيف نُسب الضريح إلى الإمام علي زين العابدين؟

رغم أن الإمام علي زين العابدين (ت. 95 هـ / 713 م) تُوفّي بالمدينة المنورة ودُفن بالبقيع، فإن الاسم الذي يحمله الضريح بالقاهرة أوهم العامة بأنه للسيّد السجّاد نفسه. ويُرجّح المؤرخون أن: الضريح أُقيم فوق موضع دفن رأس زيد بن علي، لكنه مع مرور الزمن، اختلط على الناس الفرق بين الجد والحفيد.

كلاهما من نسل الإمام الحسين، ويحملان ألقابًا متشابهة: "زين العابدين"، و"السجّاد"، و"العابد الزاهد".

الخطاب الشعبي المصري بطبيعته يُحب التبسيط، فانتقل الاسم الأكثر شهرة "علي زين العابدين" إلى الضريح، واندثرت حقيقة صاحبه.

التراث الشعبي: ماذا تقول الذاكرة الجماعية؟

يحفظ أهل باب الشعرية حكايات قديمة عن "سيدي علي زين العابدين" بصفته الولي الشهيد، والغريب الذي جاء رأسه وحدها، والمظلوم الذي لم يكتمل له قبر. هذه الإشارات كلها تتوافق مع ما نعرفه عن زيد بن علي، وليس عن الإمام زين العابدين الذي توفي في فراشه ولم يُطارد أو يُصلب.

ويُروى عن بعض العارفين، أن المزار بُني تكريمًا لرأس مقطوع، وأن القبة الحالية أُقيمت في عهد الفاطميين، الذين كانوا يجلّون آل البيت، ويُحيون ذكراهم ببناء الأضرحة.

سواء كان الضريح لضريح زيد بن علي أو علي زين العابدين، فقد صار مقامًا روحيًا تقصده القلوب قبل الأقدام. لكن من الواجب، خاصة في مناسبات الاحتفال الكبرى كالمولد الرجبى، أن نُعيد قراءة التاريخ بدقّة، وأن نُفرّق بين ما هو محبة ووجدان شعبي، وما هو توثيق علمي موثوق.

وعليه، فإن الترجيح التاريخي يقول إن المدفون تحت القبة الخضراء في باب الشعرية، هو رأس زيد بن علي بن الحسين، لا الإمام علي زين العابدين. وهو ما يُضفي على المقام معنى أعمق، إذ نحجّ لرأس شهيد، قُطعت رأسه لأجل الحق، واحتضنته القاهرة كما احتضنت غيره من آل بيت النبوة. 

تم نسخ الرابط