من العراق إلى طهران: تاريخ طويل للموساد في اغتيال العلماء العرب

في الظل، بعيدًا عن ساحات المعارك، شنت إسرائيل على مدار عقود حربًا صامتة ضد عقول العرب. علماء نوويون، فيزيائيون، ومهندسون تعرضوا لحملات اغتيال ممنهجة في عواصم أوروبية وعربية، بينما تشير أصابع الاتهام في أغلبها إلى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد"، الذي اتُهم بإدارة شبكة اغتيالات معقدة استهدفت تعطيل أي نهضة علمية عربية في مجالات استراتيجية.
ويقول مكسيم جوركي: «لكل عظيم ميتة تليق به»... سنطرح عليكم حقيقة وفاة كل شخص من هؤلاء العالماء والذي مات بطريقة درامية، وكان للموساد الإسرائيلي اليد الطولى في قتلهم.
اغتيال العقول: من العراق إلى أوروبا
يبرز اسم الدكتور يحيى المشد، العالم المصري البارز الذي قاد البرنامج النووي العراقي في سبعينيات القرن الماضي، كأحد أبرز ضحايا هذه الحرب الخفية. في يونيو 1980، وُجد مقتولًا في غرفته بأحد فنادق باريس، وقد تهشمت جمجمته بالكامل. التحقيقات الفرنسية لم تُسفر عن متهم واضح، لكن الاتهامات توجهت سريعًا إلى الموساد، الذي اعتُبر صاحب المصلحة المباشرة في إسكات العالِم.
لاحقًا، طالت الاغتيالات علماء عراقيين آخرين. من بينهم الدكتور عبد الرحمن رسول، أحد أبرز الأسماء في البرنامج النووي، والذي توفي في ظروف غامضة في العاصمة الفرنسية أيضًا، وسط تقارير عن تسميمه.
مصر: سلسلة غامضة من الاغتيالات
لم تكن مصر بمنأى عن هذه الحرب الخفية. فقد فجعت الأوساط العلمية في خمسينيات القرن الماضي باغتيال الدكتورة سميرة موسى، أول عالمة ذرة مصرية، التي لقيت حتفها في حادث سيارة مدبر بالولايات المتحدة عام 1952، بعد إعلانها عن نيتها العودة إلى مصر والمساهمة في برنامج نووي سلمي. شكوك واسعة حامت حول تورط الموساد في الحادث.
تكرر السيناريو مع الفيزيائي الشاب سمير نجيب، الذي اغتيل في ديترويت عام 1967، قبيل أيام فقط من عودته لمصر. وكذلك الأمر بالنسبة للعالِم سعيد السيد بدير، الذي عُثر عليه مقتولًا في شقته بالإسكندرية عام 1989، في حادث غامض قُيّد ضد مجهول، وسط تسريبات استخباراتية ربطت الواقعة بعمليات الموساد.
نبيل القليني (مواليد ديسمبر 1939 المنصورة) عالم ذرة وعلوم ذرية مصري، والده محمد القليني رئيس قلم الميزانية بالقضاء العالي بالقاهرة، اختفى منذ عام 1975 ولم يتم معرفة أي شيء عنه بعد ذلك.
أيضا الدكتور جمال حمدان أحد أعلام الجغرافيا المصريين. اسمه بالكامل جمال محمود صالح حمدان، ولد في قرية ناي بمحافظة القليوبية. وهو من أشهر المفكرين في قائمة اغتيالات الموساد الإسرائيلي حيث قام رئيس المخابرات الأسبق أمين هويدي بمفاجأة من العيار الثقيل، حول الكيفية التي مات بها جمال حمدان، وأكد هويدي أن لديه ما يثبت أن الموساد الإسرائيلي هو الذي قتل حمدان في أبريل من عام 1993.
ومن أشهر كتاباته عن فضح أكاذيب اليهود هو كتاب «اليهود أنثروبولوجيا» الصادر في عام 1967.
الدكتور علي مصطفى مشرفة باشا (11 يوليو 1898 – 15 يناير 1950) عالم فيزياء نظرية مصري. من مواليد دمياط. يُلقّب بأينشتاين العرب لأن بحوثه كانت في المجال والموضوعات التي كانت بحوث ألبرت أينشتاين تدور في فلكها. حصل على دكتوراه فلسفة العلوم من جامعة لندن عام 1923، وكان أولَ مصري يحصل على درجة دكتوراه العلوم من إنجلترا من جامعة لندن عام 1924
توفي في 15 يناير 1950 إثر أزمة قلبية، وهناك شك في كيفية وفاته؛ فيعتقد أنه مات مسموما أو أن أحد مندوبي الملك فاروق كان خلف وفاته، ويعتقد أيضا أنها إحدى عمليات جهاز الموساد الإسرائيلي.
بينما الدكتورة سلوى حبيب الأستاذة بمعهد الدراسات الأفريقية عثر عليها مذبوحة في شقتها وفشلت جهود رجال المباحث في الوصول لحقيقة مرتكبي الحادث خاصة أن سلوى حبيب كانت نموذجاً اقرب لنموذج الدكتور جمال حمدان فيما يتعلق بالعزلة وقلة عدد المترددين عليها.
وحاول الكثيرون التنحي بقضية قتلها جانباً وإدخالها في إطار الجرائم الأخلاقية وهو ما نفاه البوليس المصري ليظل لغز وفاتها محيراً خاصة أنها بعيدة عن أي خصومات شخصية وأيضا لم يكن قتلها بهدف السرقة ولكن إذا رجعنا لارشيفها العلمي سنجد مالا يقل عن ثلاثين دراسة في التدخل الصهيوني في دول أفريقيا على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبشهادة الجميع كانت هذه النقطة من الدراسة ملعبها الذي لا يباريها أحد فيه الأمر الذي يجعلنا ويجعل الجميع يشير بأصابع الاتهام إلى «اسرائيل» ودورها في قتلها.
اغتيالات علماء الخليج
سامية عبد الرحيم ميمني (مواليد 1955، 20 أكتوبر 1997)، هي أستاذة جامعية ومُخترعة وطبيبة وجَراحَة أعصاب سعودية، وهي أول جَرّاحَة سعودية تتخصص في مجال جراحة المخ والأعصاب. حصلت على عدة براءات اختراع في عدة مجالات طبية.
من أبرز اختراعاتها:
جهاز الاسترخاء العصبي، وهو عبارة عن وحدات من أجهزة الكمبيوتر المحاكي، الذي من خلاله تستطيع التحكم في الأعصاب، وخاصة الأعصاب الدماغية المصابة بشلل بحيث تحركها وتشفيها.
جهاز «الجونج»، والذي من خلاله تستطيع التحكم بالخلايا العصبية في وقت محدد.
جهاز يحمل اسم Mars يكشف عن حالات السرطان في وقت مبكر، والذي يستطيع الكشف عن مرض السرطان في المراحل الأولى من الإصابة.
وقد حصلت جميع اختراعتها على براءات الاختراع من المجلس الطبي الأمريكي.
وفقاً لتقارير شرطة ولاية كاليفورنيا الأمريكية؛ فإن العالمة الشابة وُجدت مقتولة خنقاً في شُقتها في 20 أكتوبر 1997، ووُجدت جثتها داخل ثلاجة «سيارة تبريد» مُعطلة عن العمل في الشارع. تم القبض على حارس العمارة التي كانت تقيم فيها الضحية عن طريق البصمات التي يتم رفعها من موقع الجريمة، كما أشار ملف القضية، وحُكم عليه بالسجن المؤبد برغم أن المتهم استمر حتى عقب صدور الحكم ينفي علاقته بالجريمة. في شقة سامية ميمني، اختفى جميع الأثاث والأبحاث الطبية وبراءات الاختراع الخاصة بها، إضافة لكل ما تملكه من مال ومصوغات.
"عملية داموقليس": حين أرعب الموساد علماء أوروبا
لم تقتصر عمليات إسرائيل على استهداف العلماء العرب، بل امتدت إلى ترهيب علماء أجانب تعاونوا مع برامج علمية عربية. في ستينيات القرن الماضي، أطلق الموساد عملية سرية عُرفت بـ"داموقليس"، استهدفت علماء ألمان عملوا في تطوير الصواريخ المصرية. تضمنت العملية إرسال طرود مفخخة، وتهديدات بالقتل، واختطاف أسر العلماء، ما دفع العشرات منهم إلى مغادرة مصر والعودة إلى أوروبا تحت الحماية.
ولم يكن الرئيس المصري جمال عبد الناصر راغباً في الاعتماد على الغرب أو الاتحاد السوفيتي في الصواريخ، لأن مثل هذا الترتيب يتعارض مع سياسة مصر في عدم الانحياز أثناء الحرب الباردة. وبالتالي كان برنامج الصواريخ المحلي هو السبيل الوحيد الذي يمكن لمصر من خلاله أن تضاهي التكنولوجيا العسكرية لإسرائيل، عدو مصر آنذاك. في ذلك الوقت، كانت تكنولوجيا الصواريخ نادرة في الشرق الأوسط، لذلك كان على مصر أن تتطلع إلى الدول الأوروبية للحصول على المواد والخبرة. زود حسن سيد كامل، تاجر الأسلحة المصري السويسري، مصر بالمواد والمجندين من ألمانيا الغربية وسويسرا، على الرغم من أن كلا البلدين لديهما قوانين رسمية تحظر بيع الأسلحة لدول الشرق الأوسط. كان العديد من العلماء الألمان الغربيين قد شاركوا سابقاً في برنامج الصواريخ في ألمانيا النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث عملوا في بينامونده لتطوير صاروخ فاو-2، وعمل بعضهم في برنامج الصواريخ الفرنسي في أعقاب الحرب.
كانت التكتيكات الرئيسية التي استخدمتها إسرائيل ضد العلماء هي الطرود المفخخة والاختطاف. وتعرضت عائلاتهم للتهديد بالعنف لإقناع العلماء بالعودة إلى أوروبا. وفر الموساد وحدة عملياتية صغيرة، برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي المستقبلي إسحاق شامير، ولكن نظراً لافتقارها إلى قسم عملياتي في ذلك الوقت، فقد اعتمدت بالأساس على وحدات من الشاباك لتنفيذ الهجمات.
انفجر طرد أُرسل إلى عالم الصواريخ فولفغانغ بيلتس في مكتبه عند فتحه في 27 نوفمبر 1962، مما أسفر عن مقتل خمسة وإصابة سكرتيرته.
تسبب طرد أُرسل إلى مصنع الصواريخ في هليوبوليس إلى مقتل خمسة عمال مصريين.
أُطلق الرصاص من مسدس على أستاذ ألماني غربي في بلدة لوراخ كان يبحث في الإلكترونيات لصالح مصر. أخطأت الرصاصة هدفها وهرب المسلح بالسيارة.
اختفى هاينز كروغ، 49 عاماً، رئيس شركة ميونخ التي تزود مصر بالمعدات العسكرية في سبتمبر 1962 ويُعتقد أنه قُتل. كان كروغ مديراً لشركة وهمية مصرية تعمل انطلاقاً من ميونخ وكانت متورطة في تصنيع الصواريخ في مصر. وفقاً لدان رافيف ويوسي ميلمان، قُتل كروغ بالقرب من ميونخ على يد المغوار النازي السابق أوتو سكورزيني. وفقاً لرونين برغمان، اختطفت فريق من الموساد كروغ في ميونخ برئاسة رئيس الموساد إيسر هاريل نفسه وقُتل في إسرائيل بعد تعرضه لاستجواب قاسٍ.
استُهدف هانز كلاينواتشر، عالم الصواريخ الذي عمل في مشروع فاو-2، في فبراير 1963، لكن محاولة الاغتيال فشلت بسبب عطل في السلاح.
بين الظلال: ماذا نعرف عن هذه الحرب؟
هذه العمليات لم تكن مجرد ردود فعل عشوائية، بل جزء من سياسة إسرائيلية ثابتة لمنع أي دولة عربية من تحقيق طفرة علمية في مجالات تعتبرها تل أبيب تهديدًا لتفوقها الاستراتيجي، وعلى رأسها: الطاقة النووية، تكنولوجيا الصواريخ، والأبحاث العسكرية الدقيقة.
ورغم صمت إسرائيل الرسمي، إلا أن تسريبات متعددة وتقارير دولية وصحفية (من بينها "ذا أتلانتك"، "نيويورك تايمز"، و"الجزيرة الوثائقية") أكدت أن الموساد طور خلال العقود الماضية منظومة معقدة من العمليات الخاصة شملت شبكات تجسس، وفرق اغتيال، وتقنيات عالية الدقة لاصطياد العلماء.
اغتيالات علماء إيران منذ عام 2010
في السنوات الأخيرة، عادت عمليات الاغتيال إلى الواجهة. استُهدف كبار العلماء الإيرانيين، أبرزهم محسن فخري زاده، مهندس البرنامج النووي الإيراني، الذي اغتيل عام 2020، فيما أعلنت وسائل إعلام أجنبية في يونيو 2025 عن عملية اغتيال جماعية استهدفت 9 علماء في طهران، باستخدام "سلاح إلكتروني عن بُعد". ورغم خروج هذه العمليات عن النطاق العربي، فإنها توضح استمرار نهج إسرائيل في تصفية كل من يهدد هيمنتها التقنية والعسكرية في الشرق الأوسط.
ولكن سبق هذه الاغتيالات حوادث أخرى لعدد من العلماء الايرانيين منذ عام 2010 وحتى 2020، نستعرضهم فيما يلي:
في 12 يناير 2010 تم اغتيال مسعود محمدي ، أستاذ الفيزياء النووية في جامعة طهران، خلال انفجار دراجة نارية مفخخة في شمالي العاصمة طهران. وضعت الدراجة بالقرب من سيارته وتم تفجيرها بالتحكم عن بعد حين مروره من قربها.
وفي 29 نوفمبر 2010 تم اغتيال مجيد شهرياري، بواسطة قنبلة مغناطيسية لُصقت على سيارته في شمال طهران.
وفي 23 يوليو 2011 تم اغتيال داريوش رضائي نجادن حيث قُتل بيد مسلحين يستقلون دراجة نارية، واطلق عليه خمسة رصاصات امام منزله في طهران.
وفي 11 يناير 2012 تم اغتيال مصطفى أحمدي روشن استاذ متخصص بالفيزياء النووية، اغتيل في انفجار قنبلة مغناطيسية لُصقت على سيارته في طهران.
وفي 3 يناير 2015 أعلنت السلطات الإيرانية عن إحباط محاولة لاغتيال عالم نووي إيراني.
وصولا ليوم 27 نوفمبر 2020 تم اغتيال محسن فخري زادة، وُصِف محسن فخري زادة بأنه «رأس البرنامج النووي». اغتيل فخري زاده في كمين على طريق في أبسارد في 27 نوفمبر 2020 .
اغتيالات إسرائيل لعلماء الذرة الايرانيين في يونيو 2025
أفادت القناة 12 الإسرائيلية، اليوم السبت، باغتيال 17 عالما نوويا منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران فجر 13 يونيو الحالي.
وذكرت القناة أن هؤلاء العلماء قتلوا في عدة هجمات شنتها القوات الإسرائيلية جوا وكذلك بواسطة سيارات مفخخة في العاصمة الإيرانية طهران.
وأفادت مصادر لوكالة "مهر" اليوم السبت بمقتل العالم النووي الإيراني الدكتور سيد إيثار طباطبائي قمشه، الذي يعد أحد أبرز علماء إيران النوويين، إثر هجوم استهدف منزله السكني في محافظة أصفهان، خلال سلسلة ضربات إسرائيلية دقيقة استهدفت مواقع حساسة مرتبطة بالبرامج النووية والعسكرية للجمهورية الإسلامية.
وحسب المعلومات، فإن زوجة العالم النووي منصورة حاجي سالم لقيت مصرعها أيضا في الهجوم ذاته. وأكدت مصادر قريبة من الحرس الثوري الإيراني نبأ الاغتيال، دون الكشف عن تفاصيل إضافية حول طبيعة العملية أو منفذيها.
وقبل أسبوع أعلنت إسرائيل عن اغتيال 9 من كبار العلماء في المشروع النووي الإيراني وهم :
1. فريدون عباسي، خبير في الهندسة النووية.
2. محمد مهدي طهرانجي، خبير فيزياء.
3. أكبر مطلي زاده، خبير في الهندسة الكيميائية.
4. سعيد برجي، خبير هندسة المواد.
5. أمير حسن فقي، خبير فيزياء.
6. عبد الحميد منوشهر، خبير في فيزياء المفاعلات.
7. منصور عسكري، خبير فيزياء.
8. أحمد رضا ذوالفقاري درياني، خبير في الهندسة النووية.
9. علي بكايي كريمي، خبير ميكانيكي.
ما وراء العمليات: صمت عربي وسجلات مغلقة
رغم خطورة هذه الاغتيالات، لم تُفتح أي تحقيقات عربية مستقلة للكشف عن تفاصيلها، ولم تُشكل لجان تقصي حقائق دولية. ظلت الملفات مغلقة، والضحايا بلا عدالة، فيما يواصل الموساد حربه الصامتة ضد العقل العربي