يسري جبر: الصلاة والصيام والذكر والإيمان لا تمنع قدر الله فيك

قدّم أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، الدكتور يسري جبر، قراءة عميقة ومؤثرة لمسألة لطالما حيّرت كثيرًا من المتدينين: هل يمنع الالتزام بالطاعات، كالصلوات والصيام والذكر، وقوع الابتلاءات؟
وهو تساؤل يتردد على ألسنة كثير من الناس، خاصة ممن يظنون أن الالتزام بطريق الله مرادف لحياة خالية من الشدائد. 

الطاعة لا تُلغِي الابتلاء.. بل تُعِين عليه

، قال الدكتور يسري :من برنامج “اعرف نبيك” المذاع على "قناة الناس "

“أوعى تظن إن حياتك هتمر من غير اختبار. الكافر ابتلاؤه عقوبة، والمؤمن ابتلاؤه رفعة، وتنقية، وتكفير للسيئات”.
وأكد أن الطاعات ليست “درعًا يمنع البلاء”، بل هي وقود روحي يمكّن الإنسان من استقبال قضاء الله بصبر واتزان وثبات.

واستشهد بقوله تعالى:

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾ [العنكبوت: 2]
مُوضحًا أن الإيمان لا يعفي الإنسان من الفتنة والابتلاء، بل العكس هو الصحيح: فكلما زاد إيمان العبد، زادت التصفية والتمحيص.

من حياة الأنبياء.. القدوة في الصبر

وأشار الدكتور يسري إلى أن الأنبياء، رغم عصمتهم وطهارتهم، كانوا أكثر الخلق تعرضًا للبلاء، مؤكدًا أن حياتهم “مليئة بالصعوبات والاختبارات”، ليس فقط ليُرفع مقامهم عند الله، بل ليكونوا أسوةً للناس في الصبر والثبات.

ويقول:“كلما كان مقامك عاليًا عند الله، وكان عملك الحالي لا يعبر عن هذا المقام، فإن الله يبتليك لترتقي إليه”، مستندًا إلى الفهم القرآني لسنة الابتلاء في حياة الأولياء والأنبياء.

وظيفة الطاعات في زمن الابتلاء

يرى الدكتور يسري أن من أخطر المفاهيم المغلوطة هو أن يتعامل العبد مع الطاعة على أنها “شرط أمان من القدر”. يقول:

“الصلاة، والصيام، والذكر، والإيمان لا تمنع قدر الله فيك… لكنها تُعِينك على تلقّي هذا القدر بالصبر والحِلم وعدم الجزع”.
ولذلك، فالمسلم مطالب بعبادة الله دون اشتراط السلامة أو اليسر، كما قال سبحانه:
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ﴾ [الحج: 11]
فيُصَوِّر القرآن حال من يعبد الله فقط إن أعطاه، فإن ابتُلي، انقلب على وجهه، وهو “الخسران المبين”.

التحذير من عبادة المشروط

واختتم الدكتور يسري جبر حديثه بنداء تربوي واضح:

“إياك أن تعبد الله على شرط ألا تُصاب ببلاء، فذلك من عبادة أهل الفتنة”، داعيًا إلى غرس مفهوم أن الابتلاء سنّة إلهية لا تنفك عن المؤمنين، وأن العبادة هي وقود الرحلة، لا وثيقة تأمين من الاختبارات