هل حفظ القرآن فرض عين؟ العلماء يوضحون الحكم الشرعي

في ظل الاهتمام المتزايد بحلقات التحفيظ، وحرص الأسر المسلمة على دفع أبنائها وبناتها لحفظ كتاب الله، يبرز تساؤل جوهري يتردد كثيرًا في المجالس والمناسبات الدينية، مفاده: هل حفظ القرآن الكريم فرض عين على كل مسلم ومسلمة؟ سؤال تتفاوت فيه التصورات، وتتنوع فيه الآراء، ما بين اعتباره واجبًا فرديًا أو كفائيًا، أو مجرد فضيلة يُثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركها.
بحسب دار الإفتاء المصرية ومراجع كبار العلماء في العالم الإسلامي، فإن حفظ القرآن الكريم ليس فرض عين على كل مسلم، وإنما هو فرض كفاية، أي إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين. وقد ورد هذا الرأي عند جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، مؤكدين أن المقصود بالفرض الكفائي هنا هو: أن يكون في الأمة عدد كافٍ من الحفّاظ لئلا يُنسى القرآن أو يُحرّف أو يندثر.
وفي هذا السياق، قال الشيخ عطية صقر، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف، في فتاوى موثقة:
“حفظ القرآن الكريم كاملًا ليس فرض عين، وإنما يُعد فرض كفاية، يكفي أن يحفظه عدد من المسلمين ليُقام به هذا الركن من حفظ الدين”.
وهذا ما يؤكده أيضًا فتوى دار الإفتاء المصرية في ردها على سؤال مباشر حول الموضوع، حيث ذكرت:
“لم يُكلف الشرعُ كلَّ مسلم بحفظ القرآن كاملًا، وإنما كُلِّف المسلم بقراءته، وتدبره، والعمل بما جاء فيه، أما حفظه ففضل عظيم وليس فرض عين”.
الدليل من القرآن والسنة
لم يرد نص صريح في القرآن الكريم أو في السنة النبوية يأمر كل مسلم ومسلمة بحفظ القرآن كاملًا. لكن وردت نصوص كثيرة تُرغّب في حفظه وتدلّ على فضل من يحفظه ويتعهده. فعن النبي ﷺ أنه قال:
“خيركم من تعلم القرآن وعلمه” (رواه البخاري).
كما جاء في حديث آخر:
“يُقال لصاحب القرآن: اقرأ وارقَ، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها” (رواه أبو داود والترمذي).
والمقصود بـ”صاحب القرآن” ليس فقط من قرأه، بل من تعهده حفظًا وتلاوة وتطبيقًا، وهو ما فسّره العلماء على أنه يشمل حافظ القرآن.
فقه المذاهب الأربعة
• الحنفية: يرون أن حفظ القرآن فرض كفاية، ويجب أن يكون في الأمة من يحفظه ليُحتج به ويُستند إليه في الأحكام.
• المالكية: كذلك يرونه فرض كفاية، ويُفضل عندهم أن يُحفظ ما تُقام به الصلاة من قصار السور، مع ترك الباب مفتوحًا للمزيد من الحفظ كفضل.
• الشافعية: يوافقون على أنه فرض كفاية، ولكن يجب على المسلم أن يحفظ القدر الذي تصح به صلاته، كالفاتحة وما تيسر.
• الحنابلة: يرون أن حفظ كل القرآن ليس فرض عين، لكن حفظ الفاتحة وما لا تُقبل الصلاة إلا به فرض على كل مسلم.
ما الذي يجب حفظه وجوبًا؟
أجمع العلماء على أن ما يجب حفظه وجوبًا على كل مسلم ومسلمة هو:
• سورة الفاتحة، لأنها ركن في الصلاة لا تصح بدونها.
• ما تيسر من القرآن، كسور قصيرة تقام بها الصلاة.
• وقد أفتت دار الإفتاء بأن حفظ آيات محددة تُقرأ في العبادات، كآية الكرسي والمعوذات، مستحب، لكنه لا يرقى إلى درجة الفرض العيني.
إذن، حفظ القرآن الكريم كاملًا ليس فرض عين على المسلم، بل هو فرض كفاية، إذا قام به من يكفي، سقط الإثم عن الباقين. أما الفرض العيني، فهو حفظ ما تقام به الصلاة فقط. غير أن حفظ القرآن من أعظم القربات وأرفع درجات الفضل، وهو طريقٌ لنيل الخيرية والرفعة في الدنيا والآخرة، ومن علامات محبة الله للعبد، كما جاء في الأحاديث الصحيحة