40 % تراجع في الطاقة التشغيلية .. أزمة الغاز تهدد بعض المصانع والتموين

تشهد مناطق صناعية حيوية في مصر أزمة متصاعدة في إمدادات الغاز الطبيعي، نتيجة الاضطرابات الاقليمية الجديدة، ما أثر بشكل بسيط على قطاعات استراتيجية كالصناعات الغذائية، والأسمدة، والحديد والصلب، ما أدى إلى تراجع في الإمدادات الأمر الذي وضع تحديات غير مسبوقة أمام الحكومة ووزارة التموين، وسط تحركات رسمية عاجلة لضمان استمرار تدفق السلع الأساسية إلى الأسواق.
المصانع في مواجهة التوقف والإرباك
بدأت الأزمة في التبلور مع بداية الربع الثاني من العام، حيث سجلت عدة محافظات صناعية تراجعًا في كميات الغاز الموردة، نتيجة زيادة الاستهلاك المحلي وانخفاض الإنتاج المحلي والواردات. دفع ذلك الجهات المعنية إلى تقنين التوزيع، وتوجيه الإمدادات للقطاعات ذات الأولوية، وهو ما ألقى بظلاله على المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة.
وبدوره، قال أحد مديري مصانع تعبئة المواد الغذائية، فضل عدم ذكر أسمه، أن "الطاقة التشغيلية تراجعت بنسبة 40% بسبب انخفاض كميات الغاز، بعد أن كنا نعمل بثلاث ورديات، أصبحنا بالكاد نغطي اثنتين"، مؤكدًا أن هذا الوضع يهدد بتأخير في العقود المبرمة مع وزارة التموين.
تأثير مباشر على الأمن الغذائي
تأثرت مصانع حيوية مثل المطاحن، ومصانع الزيوت، والتغليف، ما أدى إلى انخفاض المعروض من بعض السلع كالسكر والزيت والمكرونة. وأشار مسؤول في إحدى شركات التموين إلى أن التأخير في التوريدات قد يؤدي إلى تقليص الحصص التموينية مؤقتًا في بعض المناطق أو إعادة جدولة التوزيع.
المصانع المتعاقدة مع الحكومة تجد نفسها في مأزق حرج، إذ تتطلب العقود الرسمية التزامًا صارمًا من حيث الكميات والمواعيد. ومع تراجع الإنتاج، بدأت بعض المصانع تطلب تعديل جداول التوريد أو مهلًا إضافية، مما قد يستدعي تدخلًا تنظيميًا لاحتواء الأزمة.
التموين: لدينا احتياطي استراتيجي آمن
رغم هذه التحديات، أكدت وزارة التموين والتجارة الداخلية، على استقرار الأوضاع التموينية، مشيرة إلى توافر كميات كافية من كافة السلع الأساسية، مع احتياطي استراتيجي يكفي لأكثر من ستة أشهر.
ومن جهته، قال الدكتور شريف فاروق، وزير التموين، إن الوزارة اتخذت إجراءات استباقية بالتنسيق مع الجهات المعنية لتأمين احتياجات الأسواق، مؤكدًا استمرار ضخ كميات ضخمة شهريًا، تتضمن 65 ألف طن سكر، و43 ألف طن زيت، و24 ألف طن مكرونة، و10 آلاف طن أرز، إضافة إلى كميات من اللحوم الطازجة والمجمدة.
وأكدت الشركة القابضة للصناعات الغذائية أن فروع المجمعات الاستهلاكية والمخازن التابعة لشركتي العامة والمصرية لتجارة الجملة لديها مخزون لا يقل عن أربعة أشهر من السلع الأساسية.
تحركات حكومية عاجلة لتعزيز الإمدادات
تحركت الحكومة بشكل عاجل لتعزيز أمن الطاقة، حيث توجه رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي إلى ميناء العين السخنة لتفقد سفينة "Energos Eskimo" لتغييز الغاز الطبيعي المسال، مشيرًا إلى أن مصر ستعمل على تشغيل ثلاث سفن تغييز بداية من يوليو المقبل، بطاقة تصل إلى 2.25 مليار قدم مكعب يوميًا، مع سفينة رابعة كاحتياطي.
وأكد رئيس الوزراء أن الدولة تعمل على دعم البنية التحتية للطاقة لضمان مرونة إمدادات الغاز، خاصة مع تصاعد الأحداث الإقليمية بعد العملية العسكرية الإسرائيلية في إيران، وتأثيرها على استقرار أسواق الطاقة.
ضبط الأسواق بثلاثة محاور رقابية
بدوره، أوضح المتحدث الرسمي باسم وزارة التموين، أحمد كمال، أن الوزارة تعمل وفق ثلاثة محاور لضبط الأسواق: أولها زيادة المعروض لمنع الاحتكار، والثاني انتظام التوريد في 40 ألف منفذ تمويني، والثالث تفعيل الرقابة مع مباحث التموين وجمعيات حماية المستهلك.
وأشار كمال إلى أن التنسيق قائم أيضًا مع وزارة الزراعة لمتابعة مخزون القمح تحسبًا لأي تطورات في ظل الحرب الإسرائيلية الإيرانية، مؤكّدًا توافر مخزون يكفي لأشهر مقبلة، واستمرار مبادرات "جمعيتي" و"الأسواق المتنقلة" في دعم المعروض اليومي.
نظرة مستقبلية وتحذيرات من التصعيد
يرى خبراء اقتصاديون أن استمرار الأزمة دون حلول جذرية قد يهدد استقرار الأسعار والأمن الغذائي، داعين إلى تقديم دعم مالي وفني للمصانع المتضررة، وتسريع التحول إلى مصادر طاقة بديلة.
ويعد هذا الموقف اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة على التوازن بين استمرار النشاط الصناعي وتوفير السلع الأساسية، في ظل تحديات دولية متصاعدة وتقلبات في أسواق الطاقة.