
يقول المثل كلما ضاق صدرك أنطلق لسانك.. هكذا يمكن وصف حالة الأحتكاك اللفظي التي تسطير على قادة إسرائيل الذين باتوا اليوم على قناعة أن الخناق يزداد عليهم ويفسد مخططهم الأسطوري بتصفية القضية الفلسطينية وإغلاق ملفها وتحويلها إلى مجرد توتر أمني يمكن السيطرة عليه وإخماده وطي صفحته ، ومن هنا تابعت تلك التصريحات الساذجة حول مصر والتي تلفظ بها هؤلاء القادة الذين طرقوا كل باب ليمروا من خلاله ويخرجوا من أزمتهم المتفاقمة، لكنهم فشلوا ولم يعد لديهم أي حيلة يملكونها إزاء الجهد الدبلوماسي المصري الذي أعاد القضية إلى مسارها ومرسخا لحقيقة أنه لا خلاص للاحتلال إلى بإعادة الحقوق إلى أصحابها.
إن الهجوم اللفظي على مصر المتكررة لا يكشف إلا عن ألم يتزايد من قيادة مصر تحركا واسعا على المستوى الإقليمي ثم الدولي، لإفشال مخطط التهجير الموهوم الذي تظن إسرائيل أنه خلاص لها من ورطة، غاصت أقدامها فيها وتتطلع لحلفائها لنجدتها من خلال تمرير ذلك المخطط.
لذا فإن إسرائيل لم يعد لها لتراهن عليه في مواجهة التحالف الذي تقوده مصر لمحاصرة شرورها إلى ببث الفوضى في مصر، حتى يمر ما مررته في لبنان ثم ما مررته في سوريا.. فلولا الفوضى التي أحدثتها لما استطاعت أن تحقق ما وصفته إسرائيل نفسها ب"الإنجاز التاريخي"، على صعيد تلك الجبهات التي هي غارقة اليوم في صراع داخلي لا يعلم مداه ولا تطوره إلا الله.
رسائل قوية من الرئيس السيسي
ومن هنا كان حديث الرئيس السيسي خلال زيارته إلى الأكاديمية العسكرية، مجموعة من الرسائل إلى الداخل والخارج ولعل أبرز رسائل الداخل هو الحرص علة تماسك الجبهة الداخلية، ونبذ محاولات بث القلق على مستقبل لن يصونه إلا شعب واع مدرك لزمانه، مصطف خلف قيادته وأن مسار مصر تجاه الصراع الدائر في غزة لم يتغير، ولم يحد يوما تحت أي ضغوط لمساومة أو تبديل أو تضييع لثوابت القضية، لكن هذه القوة لن تستمر إلى بالمزيد من العمل والتدريب وإمتلاك أسباب القوة والحرص على التطور الدائم الذي لا غني عنه إن كنا نريد أن تسمع لنا كلمة وأن يحسب لنا حساب.
إنه زمن التعاطف والصوت العالي ورفع الشعارات ولي ولن نستطيع تقديم مساندة أو تعزيز جبهة إلا بإمتلاك معطيات العصر ، بل والتفوق في إخضاعها لتكوت أداتنا في إقرار وإنفاذ إرادتنا، أما الانكفاء على الإحباط والاستماع إلى المتشككين فلن يسفر إلا أن بيئة ملائمة يستطيع أن يعمل فيها وبكفاءة أعداؤنا الذين يتربصون اللحظة، التي نتفرق فيها ونغرق في تفاصيل أغرقت أمما قبلنا.
لقد وجه الرئيس السيسي رسالة طمأنة واضحة بأن مصر الصابرة المحتسبة تعمل جاهدة دون التفات، لإمتلاك أدوات عصرها والتسلح بكل مصادر القوة ومصر لم تسع يوما إلى صراع أو رحبت بإقتتال لكنها دائما ما تدفع إلى التوازن الذي يزيد من تألم القيادة الإسرائيلية ويربك حساباتها وهي تدرك تماما عواقب خروج الصراع العسكري الدائر عن السيطرة، ولقد سبقت مصر الجميع بتقديم تجربة أكدت أنه من الممكن التعايش إذا كان قائما على العدل وإرجاع الحقوق أما سوى ذلك فاستمرار لدائرة مفرغة يخرج الجميع منها خاسرين.
لقد نجحت مصر في تحويل خطتها إلى إعادة إعمار غزة وتهيئة الأجواء لتسوية دائمة - ومستقرة بالتعاون مع أشقائنا في الدول العربية لتعتمد هذه الخطة عربيا ثم إسلاميا وحاليا دوليا- لتكون هذه الخطة بمثابة سياج قوي تتحطم عليه أفكار المتطرفين وتفسد أما اختراقه كل محاولات مجنونة تغتر بقوة السلاح لتصبح إسرائيل اليوم في عزلة دبلوماسية ستكشف أنها راغبة في التصعيد متعطشة للدماء.
لذا فإن محاولات حصار هذه الجهود لن تكون إلى بزرع الفوضى أو محاولة إثارتها لكن مصر قيادة وحكومة تسد كل الثغرات منتبهة إلى تلك المحاولات لتنمية مشاعر غاضبة من ظرف اقتصادي صعب أو ارتفاع في بعض الأسعار لتبديد ذلك الاصطفاف الشعبي الذي هو اقوى أسلحة مصر في وجه أعدائها وذلك الاصطفاف هو محل تقدير من القيادة التي تؤكد مرارا امتنانها لما تحمله الشعب المصري خلال السنوات الماضية من أجل أن يكون اليوم مسموع الكلمة مهاب الجانب.
إن أكبر تعاطف يمكن أن يقدم للشعب الفلسطيني اليوم وقضيته العادلة هو الإصرار على حالة الاصطفاف التي بدأت وانطلقت في الثالث من يوليو يوم أن شكل الشعب والجيش أكد حائط صد ضد مؤامرة إسقاط مصر في الفوضى فإن ذلك التماسك الذي أدهش الصديق قبل العدو هو السلاح الأقوى ضد ترهات الشرق الأوسط الجديد الذي يتحدث عنه قادة إسرائيل اليوم فكلما أوقدوا نار الفتنة سيئدها الله عز وجل طالما بقينا على قلب رجل واحد نتطلع متسلحين بالصبر والعمل إلى مستقبل أفضل.