عاجل

في الوقت الذي يزداد فيه لهيب الصراعات في الشرق الأوسط، وتتسارع فيه الأحداث بين حروب مباشرة وتدخلات خارجية وصراعات بالوكالة، تقف مصر صامدة كجدار عازل أمام موجات الفوضى، حاملة راية الاتزان والعقلانية في إقليم بات ميدانا لتصفية الحسابات، وساحة تتكالب عليها قوى إقليمية ودولية لتحقيق مصالحها على حساب استقرار شعوبه.

يعيش الإقليم لحظة فارقة من تاريخه، حيث تتقاطع خطوط النار في أكثر من اتجاه وسط تصاعد الحرب بين إسرائيل وإيران، بجانب الحرب المستمرة في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، والانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة، وما صاحبها من تصعيد في الجنوب اللبناني والساحة السورية، وكلها ما هي إلا امتداد لغياب العدالة الدولية والانحياز الصارخ لبعض القوى الكبرى بعد أن أصبحت سماء المنطقة ملبدة بتهديدات الضربات العسكرية المتبادلة، وسط مخاوف حقيقية من توسع الحرب لتشمل أطرافا إقليمية أوسع.

ولا يمكن تجاهل ما تشهده تطورات الصراع الإسرائيلي الإيراني والمخاوف من اتساع نطاق المواجهة لتشمل الإقليم بأكمله وهو ما سيكون له عواقب وخيمة وخطيرة علي المنطقة بأكملها بجانب ما يشهده السودان من صراع مسلح مرير يهدد وحدة الدولة واستقرار جوارنا الجنوبي، إلى جانب استمرار الأزمات السياسية والأمنية في ليبيا واليمن وسوريا وهذه كلها ساحات مفتوحة تنذر بانفجارات مفاجئة في أية لحظة، وتضع الجميع أمام تحدي الحفاظ على تماسك الدولة الوطنية.

ووسط هذا المشهد الملتبس، تحافظ مصر على بوصلتها السياسية، فلا تنجر وراء الاستقطابات الحادة، ولا تفرط في مصالحها، بل تنتهج مسارا قائما على الحكمة والتوازن، مدعوما برؤية استراتيجية واضحة للقيادة السياسية وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يضع أمن مصر واستقرارها فوق كل اعتبار، ويؤمن بأن الحفاظ على الدولة ومقدراتها هو أولوية مطلقة، حتى وإن تطلب ذلك السير في طريق صعب.

ومصر ليست دولة حياد سلبي، بل هي طرف فاعل في الإقليم، تتحرك بدبلوماسية نشطة لتخفيف التوترات، وتدفع نحو الحلول السلمية، وتستضيف القمم وتشارك في المحافل الدولية، لكنها في الوقت ذاته، تضع خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها عندما يتعلق الأمر بأمنها القومي، سواء في ليبيا أو السودان أو في الأمن المائي لنهر النيل، أو في الحدود الشرقية مع قطاع غزة.

لقد أثبتت مصر، بقيادتها السياسية ومؤسساتها الوطنية، أنها دولة تدرك موقعها و مسؤوليتها، وتتمسك بسياسة خارجية متوازنة تستند إلى ثوابت الأمن القومي ومصالح الشعب، وتضع في اعتبارها أن الانزلاق إلى أتون الحروب لا يصب في مصلحة أي دولة، بل يفتح أبوابا للفوضى والتفكك والانهيار، كما رأينا في دول شقيقة دفعت ثمنا باهظا نتيجة غياب الرؤية أو تدخلات الآخرين.

إن السياسة الخارجية لمصر لم تكن يوما ترفا دبلوماسيا، بل جزء من منظومة حماية الأمن القومي الشامل، والتحرك المصري في ملفات الإقليم لا ينفصل عن حسابات الداخل، حيث تسعى الدولة لحماية حدودها، ومنع تسلل الفوضى، وقطع الطريق على أي محاولات لاستغلال الأوضاع من قبل جماعات متطرفة أو ميليشيات خارجة عن الدولة.

ومن هذا المنطلق، دعمت مصر دائما فكرة الدولة الوطنية الموحدة، ورفضت تقسيم الجيوش أو تسليح الميليشيات، ورفضت التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول،حيث كانت القاهرة دوما صوت العقل، تعمل على جمع الفرقاء ودعم مؤسسات الدولة، لا مَن يضخ السلاح في جسدها المنهك.

القيادة المصرية، بقيادة الرئيس السيسي، تدرك أن الصمود لا يعني الجمود، وأن استقرار الدولة هو مقدمة حقيقية لبناء مستقبل آمن ومن ثم لم تقف مصر عند حدود الدفاع، بل أطلقت مشروعات تنموية ضخمة في كافة ربوع البلاد، وعززت البنية التحتية، واستثمرت في الإنسان، في الصحة والتعليم، في العاصمة الإدارية وسيناء والدلتا الجديدة، وفي تحولات كبرى في الطاقة والبنية التكنولوجية.

فبينما تحترق دول الجوار بالحروب وتضيع فيها موارد الشعوب، تسعى مصر لتحقيق معادلة الصمود والتنمية، وعدم السماح بأن تجرها نيران الخارج إلى مستنقع الفوضى، إن الدولة المصرية تدرك أن الشعوب لا تأكل الشعارات، ولا تعيش على بيانات الغضب، بل تحتاج إلى أمن واستقرار وتنمية وعدالة اجتماعية، وهذا ما تسعى له بكل جد.

لقد تحولت مصر إلى مركز توازن حقيقي في منطقة تفقد فيه موازين القوى توازنها باستمرار ووسط هذا الاختلال، أصبحت القاهرة صوتا عاقلا يسمعه العالم، وتثق به الأطراف المتنازعة، و تلجأ إليه العواصم الكبرى عند الأزمات، سواء في الصراع الإسرائيلي الإيراني أو الملف الفلسطيني أو في المصالحة السودانية أو في وقف التدهور الليبي.

إن صمود مصر لا يأتي من فراغ، بل من تاريخ طويل من الخبرة السياسية، ومن مؤسسات صلبة، ومن إرادة قيادة تحسن قراءة المشهد، وتحمي مصالح الدولة لا بالمزايدات، بل بالعقلانية والصلابة والقدرة على المبادرة.

وفي وقت يزداد فيه ضجيج الحرب، تبقى مصر واحة عقلانية في قلب الإقليم، تحرس حدودها، وتحمي شعبها، وتبني مستقبلها، دون أن تنسى مسؤولياتها تجاه أشقائها، وفق مبدأ راسخ: أمن مصر جزء من أمن المنطقة.. ولكن استقرار مصر هو خط الدفاع الأول عن شعبها.

تم نسخ الرابط