خيار مستحيل.. هل تتدخل الصين في الحرب بين إيران وإسرائيل؟

في أعقاب تصاعد الصراع بين إيران وإسرائيل، تبنت الصين موقفًا علنيًا مدروسًا بعناية، كقوة عالمية قلقة، وإن كانت حذرة، تدعو إلى خفض التصعيد، بينما تخوض غمار صراع المصالح الاستراتيجية. يُخفي رد بكين الرسمي، الذي مزج بين إدانة الإجراءات الإسرائيلية ودعوات السلام العاجلة، حقيقةً أعمق وأكثر تعقيدًا. فالصين، بعيدًا عن كون هذا الصراع يجعل الولايات المتحدة منخرطة في المنطقة بشكل يضمن عدم القدرة على التركيز على “تقويض” الصين في شرق آسيا، إلا أنها تنظر إلى الحرب على أنها اختبار جيوسياسي عميق يُهدد أهدافها الاقتصادية والاستراتيجية الأساسية في الشرق الأوسط. وحتى وإن كانت كشف موقفها حتى الآن عن الحدود الهيكلية لطموحتها في المنطقة واستراتيجيتها المتعلقة بهوية الدولة المسؤول الكبرى في ظل توقعات الكثيرون أن تتخذ الصين موقفًا سياسيًا أكثر حزمًا دفاعًا عن السيادة الإيرانية، إلا أن بكين اختارت ضبط النفس حتى الآن.
دعوة لضبط النفس وانتقاد للغرب:
ووفقًا لدراسة أعدها مركز رع للدراسات الاستراتيجية، اتسم رد الصين الدبلوماسي الرسمي بالاتساق والعلنية. ففي بيانات مشتركة مع روسيا، ومن خلال وزارة خارجيتها، “أدانت بكين بشدة” هجمات إسرائيل على الأراضي الإيرانية، بما في ذلك منشآتها النووية، واصفةً إياها بانتهاكات لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. وأجرى وزير الخارجية وانغ يي مكالمات هاتفية مع نظيريه الإسرائيلي والإيراني في 14 يونيو. وأبلغهما أن الصين مستعدة للعب “دور بناء” في تهدئة الصراع، وفقًا لما ذكرته وزارة الخارجية الصينية. كما أعرب الرئيس شي جين بينغ عن “قلقه العميق”، ودعا مرارًا وتكرارًا إلى “تهدئة عاجلة” وإلى “وقف الأعمال العدائية” من قبل جميع الأطراف، “وخاصة إسرائيل”.
يخدم هذا الخطاب هدفًا مزدوجًا. أولًا، يُصوّر الصين كجهة فاعلة عالمية مسؤولة ومدافعة عن سيادة الدولة، التي تُعدّ حجر الزاوية في سياستها الخارجية. ثانيًا، من خلال حثّها “للدول الكبرى ذات النفوذ الخاص” على تهدئة الصراع، تُوجّه بكين نقدًا لاذعا للولايات المتحدة، يعكس بأن واشنطن لم تبذل جهدًا كافيًا لكبح جماح حليفتها، إسرائيل. ويتماشى هذا السرد مع هدف الصين الأوسع المتمثل في تقديم نفسها كقوة موازنة مستقرة لما تُصوّره على أنه هيمنة أمريكية مُزعزعة للاستقرار. كما يؤكد الأكاديميون الصينيون المختصين في الشرق الأوسط مثل جين ليانغشيانغ وهان جيانوي إلي أن واشنطن “تريد اشعال الصراعات في المنطقة من أجل بناء نظام إقليمي جديد تقود تل ابيب”. كما صرح وانغ هوي ياو، مؤسس ورئيس مركز الصين والعولمة (CCG)، لوكالة الأنباء الصينية (CNA)، مسلطًا الضوء على سجل الصين “الجيد” في الشرق الأوسط وخلوها من “الإرث التاريخي”.
حدود دور الدبلوماسية:
ما اثًير من تعليقات حول أزمة الدبلوماسية الصينية في المنطقة والقضايا الأمنية الإقليمية التي تعكس ضعفها وعدم الرغبة في التدخل أو الانخراط في قضايا المنطقة. مما يُسلّط الضوء على الفجوة بين خطاب بكين كقوة عظمى ونفوذها المحدود في الشرق الأوسط”. فكما شهدنا سابقا انفراج في الدبلوماسية الصينية في المنطقة، حيث شملت توسطت بكين في اتفاق وحدة فلسطينية في غزة التي مزقتها الحرب في يوليو 2024. وفي العام الذي سبقه، توسطت في مصالحة تاريخية بين المملكة العربية السعودية وإيران، حيث توسطت في التقارب إلى جانب العراق وسلطنة عمان دون تدخل مباشر من الولايات المتحدة أو أوروبا. في الواقع الموقف الصيني تجاه هذا الصراع يمثل نمطًا مألوفًا في الدبلوماسية الصينية، حيث تسعى بكين إلى إظهار الهدوء وعرض الوساطة دون الالتزام بالتدخل المباشر. ففي صراعات سابقة، بما في ذلك في سوريا واليمن، أصدرت الصين دعوات مماثلة لكنها لم تلعب سوى دورا محدودا. فمن منظور واقعي، الصين ليست كالولايات المتحدة، التي تستطيع ببساطة إيقاف آلة الحرب الإسرائيلية بسحب دعمها. وهذا أن جهود الوساطة لبكين تتوقف على الإرادة السياسية من كلا الجانبين للانخراط، وهو أمر يبدو غائبًا عند إسرائيل. بالإضافة إلي أن هذا الانخراط الدبلوماسي محفوف بمخاطر الفشل التي قد تكشف حدود نفوذها الدبلوماسي ومكانتها كصانع سلام عالمي. وفي سياق الدعم المباشر في الصراع، يساهم في اشعال التوترات المتصاعدة بالفعل مع الولايات المتحدة – وهو سيناريو تحرص الصين على تجنبه في الوقت التي تسعي فيه استقرار علاقاتها مع واشنطن لتخفيف الضغط على اقتصادها وتطويرها التكنولوجي. ناهيك عن أعربت مجموعة الدول السبع، التي تضم الولايات المتحدة، عن دعمها لإسرائيل في بيان صدر في وقت متأخر من يوم 16 يونيو ووصفت منافستها إيران بأنها مصدر لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
مستوى تهديد الحرب للصين:
على عكس أي تصور بأن هذا الصراع يصب في مصالح بكين الحيوية المتعلقة بتشتيت انتباه منافسها الرئيسي، الولايات المتحدة، إلا أن الحرب بين إيران وإسرائيل تُمثل “سيناريو كابوسيًا” للصين. فمصالحها الأساسية مُهددة بشكل أساسي بسبب عدم الاستقرار. فأمن الطاقة وأسعار النفط التي ترتبط بمصالحها الأساسية والحيوية. حيث تُعتبر الصين أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، حيث يمر جزء كبير من إمداداتها من الطاقة عبر مضيق هرمز. وما يقرب من حوالي 45% من نفط الصين يمر عبر هذا المضيق الحيوي. علاوة على ذلك، تُعتبر الصين المشتري الرئيسي للنفط الإيراني الخاضع للعقوبات، حيث تشتري ما يصل إلى 90% من صادرات إيران بأسعار مُخفضة. ويُهدد اندلاع حرب شاملة بتعطيل خطوط الإمداد الحيوية هذه، والتسبب في ارتفاع حاد في أسعار النفط العالمية، والإضرار المُباشر بالاقتصاد الصيني.
وعلى جانب أخر، يُعدّ الشرق الأوسط محورًا أساسيًا في مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ. وقد استثمرت الصين بكثافة في البنية التحتية وطرق التجارة عبر المنطقة. ويُهدد الصراع هذه الاستثمارات والطموح الأوسع المتمثل في إنشاء ممر تجاري مستقر غربًا. وتُشكّل الفوضى الإقليمية تهديدًا مباشرًا لاستمرارية مبادرة الحزام والطريق. فالصين تستفيد دائمًا من حماية السلام والاستقرار في أي مكان في العالم”. ويرتكز نفوذ بكين في المنطقة، والذي يتجلى في نجاحها في وساطتها للتقارب السعودي الإيراني عام 2023، على كونها شريكًا اقتصاديًا موثوقًا به. فالحرب تُقوّض البيئة المستقرة اللازمة لازدهار التجارة والاستثمار.
مسألة دعم إيران:
في حين أن خطاب الصين مُؤيد لإيران، إلا أن دعمها المادي مُركّب ويقصر عن تحالف عسكري شامل. حيث يُعدّ الدعم الاقتصادي أبرز ما تقدمه الصين. فمن خلال استمرارها في شراء النفط الإيراني متحديةً العقوبات الأمريكية، تُوفّر بكين شريان حياة اقتصاديًا حيويًا للنظام الإيراني المعزول. وقد ترسخت هذه العلاقة باتفاقية تعاون مدتها 25 عامًا وُقّعت عام 2021. ولا توجد أدلة موثوقة تشير إلى أن الصين تُزوّد إيران بمعدات عسكرية متطورة ومباشرةً في صراعها مع إسرائيل. حيث ظهرت تقارير في الأسابيع الأخيرة عن “رحلات جوية غامضة” لطائرات بوينغ 747 من الصين إلى إيران، مما أثار تكهنات حول تقديم مساعدات سرية. ومع ذلك، ينقسم خبراء الأمن حول هذا الأمر. فالبعض يقول بأن الرحلات الجوية كانت على الأرجح لإجلاء مسؤولين رئيسيين أو ممتلكات النظام أكثر من كونها لنقل أسلحة، نظرًا لمخاطر تورط الصين المباشر. هناك تردد واضح في بكين في التورط عسكريًا في صراع بعيد عن حدودها. كما أن التعاون العسكري بين البلدين لا يزال “محدودًا ورمزيًا إلى حد كبير”، ويتألف بشكل رئيسي من تدريبات بحرية مشتركة تُعدّ بمثابة إشارات استراتيجية بدلًا من تكامل عملياتي عميق.
لا تنحصر الصراع بين إيران وإسرائيل في الفراغ؛ بل هي مسرح مهم في التنافس الاستراتيجي المستمر بين الولايات المتحدة والصين. فمن منظور أمريكي، يمكن اعتبار إضعاف إيران ضربةً فعلية لمصالح شركائها، روسيا والصين. وترى هذه النظرة أن الصراع فرصة لتقليص نفوذ “محور المقاومة”، وبالتالي، داعميه العالميين. من المنظور الصيني، تُسلّط الحرب الضوء على الإخفاقات المُتصوّرة للهيكل الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. تستغل بكين الأزمة للمطالبة بنموذج جديد للأمن العالمي، نموذج تلعب فيه دور الوسيط المحايد، على عكس ما تُصوّره على أنه نهج أمريكي مُتحيّز وتدخلي. من خلال الدعوة إلى وقف إطلاق النار والتوصل إلى حل دبلوماسي، تسعى الصين إلى كسب ود الجهات الفاعلة الإقليمية، وخاصة في العالمين العربي والإسلامي، الذين يزداد قلقهم من تقارب واشنطن الوثيق مع إسرائيل.
سيناريو التدخل الأمريكي:
السؤال الأهم في هذا السيناريو قبل تحليل عواقبه علي الصين هو ما إذا كان إسرائيل قادرة بمفردها علي القضاء علي قدرات التخصيب اليورانيوم الإيرانية. فالهدف الأساسي والجوهري لإسرائيل هو التخلص من قدرات طهران على تخصيب اليورانيوم. والرد على هذا السؤال يتلخص فيما قاله مؤخرًا رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك يتحدث عن هذه النقطة: إذا كانوا مصممين على فعل ذلك، فلن تتمكن من إيقافهم على الإطلاق. لا تستطيع إسرائيل القيام بذلك بمفردها. كما قال جون ميرشايمر أمريكا هي فقط من لديها القدرة على ذلك لكونها تمتلك صاروخًا خارقًا للأرض هائلًا وزنه 30 ألف رطل يمكنه اختراق أعماق الأرض وتدمير منشآت التخصيب النووي الخاصة بهم. لكن المشكلة هي أنه حتى لو دمرنا منشآتهم الآن، يمكنهم إعادة بنائها. فمن الجدير بالذكر أن إيران أعلنت مؤخرًا أنها افتتحت مصنعًا ثالثًا لتخصيب اليورانيوم. وهذه المنشأة مدفونة على عمق أكبر من منشأة فوردو النووية. لذا، على المدى البعيد، لا أعتقد أنه يمكن القضاء عليهم أو على القدرات النووية الإيرانية عسكريًا بشكل كامل. وقد فهمت إدارة أوباما جيدا هذا، لذا قامت بإبرام الاتفاق الشامل مع طهران الذي يحد الي حد كبير من قدرتها على تخصيب اليورانيوم الي درجة صالحة للاستخدام. وقد انسحب منه ترامب ليرضي اللوبي الصهيوني والقيادة في تل ابيب التي كانت رافضة هذا الاتفاق.
لا شك أن الولايات المتحدة كانت تقدم المساعدة لإسرائيل، قبل العملية وبعدها. حيث كشف جميع التقارير الإعلامية السائدة بوضوح أن إدارة ترامب تواطأت مع إسرائيل لاستخدام حيلٍ لإجبار إيران على التراخي والوقوع في خطر الغارات. لقد زودنا إسرائيل بعدد كبير من القنابل ومختلف المعدات العسكرية لشن حرب على إيران ولا يوجد دليل على أن ترامب يحارب جماعات المصالح الخاصة. إلا انه في الوقت نفسه يبذل جهده لضمان عدم تدخل الولايات المتحدة.
وفي سياق الهدف الأساسي لإسرائيل من هذا الصراع كما يقول ميرشايمر، فإن تاريخ الحروب الجوية تؤكد تأثيرها الفعلي المحدود في النهاية، وغالبًا ما تكون التدخلات الميدانية ضرورية. إلا اننا حتى الآن لم نري أي إجراء بري في إيران، وينطبق الأمر نفسه على إسرائيل.
وبالتالي في حالة مواصلة إسرائيل سياسات التوسع في ضرباتها ضد إيران ورد الأخيرة دون تدخل قوي من الولايات المتحدة والتي تمتلك الكلمة الأولى والأخيرة في وقف هذا الصراع. قد نصل الي سيناريوهات وهما حرب نفطية ومن شأنها كوارث عالمية على الاقتصاد العالمي، أو تلجأ تل أبيب إلي استخدام الأسلحة النووية بعد أن تفشل الأسلحة التقليدية في القضاء على الهدف الأساسي من هذا الصراع، مما يدفع إيران إلي استخدام إغلاق مضيق هرمز ومهاجمة أهداف عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط. إضافةً إلى ذلك، تُشكّل ما يُسمى بالقوى الوكيلة التي دعمتها سابقًا، مثل حزب الله وجماعة الحوثيين رادعًا قويًا. وفي هذه المرحلة ستدخل الولايات المتحدة عسكريا وبشكل مباشر، وتتحول الي حرب إقليمية. وفي هذا السياق، يعتقد البعض بأن هذا السيناريو يعتبر فرصة استراتيجية واعدة للصين من المنظور العسكري التقليدي. حيث ستُجبر حرب أمريكية مباشرة مع إيران على إعادة تخصيص هائلة وفورية للموارد الأمريكية، وهو ما سيكون مفيدًا للغاية للصين على المدى القصير والمتوسط. ففي سياق تحول الأصول العسكرية المرتبط “المصلحة الوطنية” وشعار “أمريكا أولا” والذي يتنافى مع الدعم الشامل وغير المشروط من قبل ترامب لمطالب اللوبي الصهيوني، فإن كل أصل أمريكي يُنقل إلى الشرق الأوسط لا يُمكن استخدامه لاحتواء الصين. على سبيل المثال، حاملات الطائرات الأمريكية والتي تعد حجر الزاوية في استعراض القوة الأمريكية. فنقل حاملة أو اثنتين من منطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى الخليج العربي يُضعف بشكل كبير الموقف البحري الأمريكي بالقرب من تايوان وفي بحر الصين الجنوبي. كما سيتم إعادة توجيه أسراب المقاتلات (F-22 وF-35) والقاذفات وناقلات التزود بالوقود جوًا. ناهيك عن سيتم تركيز الطائرات بدون طيار وطائرات التجسس وموارد الأقمار الصناعية بشكل مكثف على إيران، مما يترك موارد أقل لمراقبة الأنشطة العسكرية الصينية. كما سيتم إعطاء الأولوية لأنظمة مثل باتريوت وثاد للدفاع عن القواعد الأمريكية في الخليج وحلفاء مثل إسرائيل، بدلاً من نشرها في المحيط الهادئ.
إلى جانب الأصول المادية، ستستهلك الحرب “نطاق” قيادة واشنطن. سينصبّ اهتمام الرئيس والبنتاغون ووزارة الخارجية والكونغرس على الشرق الأوسط. وهذا يمنح الصين ما يسميه العديد من المحللين “متنفسًا استراتيجيًا” على تايوان ومطالبها الإقليمية في بحر الصين الجنوبي. فالمؤكد، هو أن المخاطر على الصين تفوق بكثير فوائدها، حيث أن نشوب حرب مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران سيكون كارثة على مصالح الصين الأساسية.
فكارثة الارتفاع حاد في أسعار النفط مع غلق مضيق هرمز (الشريان البحري الوحيد الذي يربط مُصدّري الخليج بالأسواق العالمية – إلى تقييد حركة التجارة وارتفاع حاد في أسعار الطاقة. يُمثل هذا المضيق ما يقرب من خُمس شحنات النفط العالمية)، حيث تُعدّ الصين أكبر مستورد للنفط الخام في العالم. تستورد بكين حوالي 40% من نفطها الخام من الشرق الأوسط، ومن بين الموردين الرئيسيين المملكة العربية السعودية وإيران والعراق والإمارات العربية المتحدة. مما سيؤدي ذلك إلى شلل الاقتصاد الصيني القائم على التصنيع، والذي يعاني بالفعل من وطأة الرسوم الجمركية الأمريكية، وارتفاع ديون الحكومات المحلية، وشيخوخة السكان، وزيادة التضخم، وقد يُؤدي حتى إلى ركود عالمي، يترتب عليه سحق الطلب على الصادرات الصينية. كما أن امتداد الصراع إلى مناطق أوسع في الشرق الأوسط من شأنه أن يهدد سلامة المواطنين الصينيين في المنطقة، إلى جانب ملايين الأجانب الآخرين.
وعلى جانب أخر، تُعدّ إيران محورًا جغرافيًا بالغ الأهمية في مبادرة الحزام والطريق الصينية، ويُعدّ استقرار إيران والشرق الأوسط أمرًا أساسيًا لتشغيل ممرات التجارة والبنية التحتية هذه. وبالتالي ستُحوّل الحرب هذه الاستثمارات إلى التزامات. والأمر الأخر، وأن الصين وإيران تربطهما شراكة استراتيجية، إلا أن بكين كانت حذرة للغاية بشأن الانجرار إلى صراعات الشرق الأوسط. وكما يُشير مُحللو تشاتام هاوس، فإن إيران في حالة “عزلة استراتيجية”. لا ترغب الصين في مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة. واندلاع مثل هذه الحرب سيجبر بكين على خيار مُستحيل. وهو إما التخلي عن إيران، مما يجعلها تبدو شريكًا غير موثوق، ويُدمر مصداقيتها لدى الدول الأخرى التي تنظر إليها كبديل للولايات المتحدة. أو سيُخاطر هذا بمواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، ناهيك عن موقف دول الخليج أيضا وتحطيم صورتها كجهة محايدة. وعليه، فإن دولة الصين لن تلجأ لدعم إيران في هذا السيناريو.
ناهيك عن أنه لا يُمكن احتواء الحروب واسعة النطاق بسهولة. قد يُزعزع صراع أمريكي-إيراني استقرار النظام العالمي بأكمله الذي يعتمد عليه صعود الصين الاقتصادي. وهذا يأخذنا إلي فشل “نظرية التشتيت”، فبكين تستفاد بشكل كبير من السلام الاستقرار في أي مكان في العالم، حيث يحافظ علي صعودها ويحقق أهدافها الاستراتيجية في النظام الدولي والإقليمي. بينما تُشكل الفوضى ضررًا جوهريًا لاستراتيجية الصين طويلة المدى، والتي تتطلب بيئة دولية قابلة للتنبؤ.
في الخاتمة، يمكن القول إنه في حين أن إغراء تشتت انتباه أمريكا أمرٌ حقيقي، فإن حربًا أمريكية مباشرة مع إيران ستكون كابوسًا استراتيجيًا لبكين. وعليه، تكون الميزة العسكرية قصيرة المدى لوجود عدد أقل من حاملات الطائرات الأمريكية في بحر الصين الجنوبي تتضاءل مقارنةً بالمخاطر الكارثية طويلة المدى المتمثلة في الانهيار الاقتصادي وعدم الاستقرار العالمي. تُفضل الصين الوضع الحالي: وهو أن الولايات المتحدة مُثقلة، ومُرهقة، وتواجه صداعًا دبلوماسيًا في الشرق الأوسط. هذا يُحدث تشتيتًا بسيطًا دون تعريض النظام الاقتصادي العالمي بأكمله للخطر. ومع ذلك، فإن اندلاع حرب شاملة سيكون بمثابة “حدث غير متوقع” قد يُعرقل طموحات الصين لعقود. لذلك، ورغم الفرصة العسكرية المُتاحة، فإن مصلحة الصين الأساسية تتمثل في منع، وليس تشجيع، حرب أمريكية مباشرة مع إيران. أما الحرب الشاملة فستكون بمثابة “حدث غير متوقع” قد يُعرقل طموحات الصين لعقود. ولذلك، وعلى الرغم من الفرصة العسكرية، فإن المصلحة الأساسية للصين تتمثل في منع الحرب الأمريكية المباشرة مع إيران، وليس تشجيعها.
لذا حتى هذا الوقت يمكن اعتبار الموقف الصين على الحرب الإيرانية الإسرائيلية أداءً مُدروسًا بعناية لقوة صاعدة تُحجم عن المخاطرة. فهي تُدين علنًا العدوان الإسرائيلي وتدافع عن السلام. أما استراتيجيًا، فهي تشعر بقلق بالغ إزاء صراع يُهدد مواردها الاقتصادية واستثماراتها الإقليمية. وبينما تُقدّم دعمًا اقتصاديًا حاسمًا لإيران، فقد ابتعدت عن التدخل العسكري المباشر، كاشفةً عن حدود استعدادها لتحدي المظلة الأمنية الأمريكية في الشرق الأوسط بشكل مباشر. إن الإجماع العلمي واضح: بالنسبة للصين، فإن الشرق الأوسط السلمي والمستقر أكثر قيمة بكثير من العواقب الفوضوية وغير المتوقعة للحرب، بغض النظر عن الصداع المؤقت الذي قد تسببه لواشنطن.