عاجل

من حفّارة قبور إلى سائقة توك توك.. «منى قوت» قصة كفاح بالصعيد

مني قوت بقنا
مني قوت بقنا

في قرية الحلة التابعة لمركز قوص بمحافظة قنا، لم تكن مني قوت أو كما يُطلق عليها الأهالي "صبرية السباعي"، فتاة عادية كباقي بنات جيلها. بل اختارت أن تسلك طريقًا صعبًا وسط مجتمع تحكمه التقاليد، وتمتهن مهنًا لطالما ارتبطت بالرجال. واليوم، أصبحت أول فتاة في المحافظة تقود توك توك لكسب لقمة العيش بكرامة، مرتدية الإيشارب وملابس عصرية، محتفظة بهويتها كامرأة صعيدية لم تخجل يومًا من كفاحها.

طفولة من رحم المعاناة

بصوت مزيج بين الحزن والفخر، تحكي منى قوت تفاصيل مؤلمة عن طفولتها التي بدأت بمأساة أسرية: "والدي تركنا لأن أمي لم تُنجب له سوى البنات.. كنت في السادسة من عمري حين خرجت من المدرسة لأعمل وأساعد أمي".
ثلاث شقيقات وأم مجاهدة واجهن مصيرًا غامضًا بعد أن قرر الأب التخلي عن أسرته، ليتزوج وينجب ذكورًا، تاركًا خلفه مسؤولية ثقيلة ألقتها الحياة على عاتق مني الصغيرة.

من طُلاعة نخيل إلى سائقة توك توك

لم تكن منى تعرف شيئًا عن مفردات الطفولة، فسرعان ما وجدت نفسها تتنقل من مهنة إلى أخرى: بدأت بـ"طلاعة النخيل"، ثم عملت في حمل ونقل أجولة الدقيق على نقالات حديدية، ومع بداية جائحة "كورونا"، انضمت لمتطوعي دفن موتى الوباء، حين تراجع كثير من الشباب عن تلك المهمة الصعبة.
"كنت بحفر القبور علشان الناس كانت خايفة.. وربنا بيقويني"، تقول منى بكل شجاعة وهي تستعيد ذكرياتها في عز المحنة.

التوك توك.. نقطة التحول

نقطة التحول الكبرى في حياة منى جاءت عندما أهدى لها أحد فاعلي الخير توك توك صغير. لم تتردد لحظة، بل قررت أن تتعلم القيادة رغم عدم خبرتها السابقة.
"أول يوم طلعت بيه اتقلب بيا.. اتعورت، لكن ما خفتش"، تسترجع منى تجربتها الأولى المؤلمة التي لم تكسر عزيمتها، بل زادت إصرارها على التحدي.
وبالفعل، أصبحت اليوم من أمهر سائقي التوك توك في المنطقة، تجوب طرقات قريتها بثقة، وتفضّل الابتعاد عن الطرق الوعرة "علشان تبقى في أمان".

دعم الناس.. وصعوبات الطريق

رغم أن كثيرين احتفوا بها وساندوها، إلا أن منى لا تُنكر وجود مَن سخروا أو اعترضوا، معتبرين ما تقوم به "عيبًا" أو "خروجًا عن المألوف". لكنها لم تُعر تلك الأصوات انتباهًا.
"أنا بشتغل شغل شريف.. ما بمدّش إيدي لحد"، ترد منى بثقة، مؤكدة أنها وجدت الدعم الحقيقي في ابتسامة أمها، وفخر شقيقاتها بما وصلت إليه.

حلم الحج ورضا الأم

ورغم كل ما مرت به من صعوبات وتحديات، لا تطمح منى سوى في أمر بسيط لكنه عظيم: "نفسي أزور بيت ربنا أنا وأمي.. ده الحلم اللي بشيل له كل قرش زيادة".
منى قوت.. لم تكتب قصة نجاحها في صفحات الكتب، بل سطّرتها على طرقات قنا يومًا بعد يوم، بقيادة توك توك وقلوب مليئة بالإصرار، لتُثبت أن الكفاح لا يفرّق بين رجل وامرأة، وأن العزيمة وحدها تصنع المعجزات.

تم نسخ الرابط