فلتر مزيف .. أستاذ علم اجتماع يحذر من تشويه الهوية المصرية على التواصل

أطلق الدكتور وليد رشاد، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، تحذيرات جادة بشأن الدور السلبي المتصاعد لمواقع التواصل الاجتماعي في تشكيل صورة مغلوطة عن المجتمع المصري، مشيرًا إلى أن هذه المنصات ساهمت في خلق واقع مزيف لا يعكس الحقيقة، بل يؤدي إلى انقسام حتى على مستوى نظرتنا لأنفسنا كمصريين.
وخلال مشاركته في حلقة من برنامج "البيت" الذي تقدمه الإعلامية مروة شتلة على قناة "الناس"، أوضح وليد رشاد، أن منصات السوشيال ميديا أصبحت تُظهر فئتين من الشعب وكأنهما من عالمين مختلفين، قائلاً بسخرية رمزية: "بقى فيه هزار بيتقال: دول من مصر ودول من إيچيبت.. لكن الحقيقة إن ده مش هزار بس، ده نتيجة صورة مشوهة صدرناها لنفسنا قبل ما نصدّرها لغيرنا".
تجارب شخصية تفضح
وكشف وليد رشاد، عن تجربة شخصية تؤكد مدى الزيف الذي بات يطغى على بعض المحتويات المنتشرة عبر مواقع التواصل، حيث تعرّض نجله لموقف مع أحد صانعي المحتوى الذي كان متفقًا على تمثيل موقف معين في فيديو، لكنه كان مجرد "فبركة للضحك" بعيدًا عن الواقع، وهو ما ينعكس على سلوك الأجيال الجديدة في تصديق هذا النوع من التزييف دون تمييز بين الواقع والتمثيل.
وأكد وليد رشاد، أن كثيرًا مما يُعرض على هذه المنصات لا يُمثل الحقيقة، بل يُعبر عن خيال مصطنع يُقَدَّم على أنه الواقع، محذرًا من خطر تراكم هذه الصور الذهنية الزائفة في وجدان الشباب، مما يؤدي إلى فقدان الثقة في المجتمع الحقيقي، بل وفي الذات.
مراقبة الاستخدام الرقمي
وشدد وليد رشاد، على أهمية دور الأسرة في مراقبة وتوجيه استخدام الأبناء لمنصات التواصل الاجتماعي، موضحًا أن الساحة الرقمية باتت "مفتوحة ومليئة بالصور والأفكار المزيفة"، وأن ترك الأبناء دون متابعة قد يُعرضهم لخطر التشويه الفكري والسلوكي.
وقال وليد رشاد: "ياريت كل الناس تبقى قريبة من أولادها، نوجههم ونتابع سلوكهم على السوشيال ميديا، ما نسيبهمش لوحدهم في ساحة مفتوحة".
بداية وعي مجتمعي
ورغم التشاؤم من الواقع الرقمي المشوه، أشار الدكتور وليد رشاد، إلى وجود مؤشرات إيجابية لبدء وعي مجتمعي حقيقي، موضحًا أن شريحة من المستخدمين باتت قادرة على التمييز بين ما هو واقعي وما هو مبالغ فيه أو زائف
وأضاف وليد رشاد: "الجميل دلوقتي إننا بدأنا نميز.. نعرف إيه ينفع نشاركه وإيه لا.. نعرف نفرق بين الصح والغلط"، مطالبًا باستخدام السوشيال ميديا بشكل آمن ومتزن، لا بهدف التفاخر أو "المنظرة"، وإنما كأداة للتواصل الحقيقي والتعبير الصادق عن الذات دون تزييف أو تصنع.
الشخصيات المثالية الزائفة
وفي سياق حديثه، أشار وليد رشاد، إلى ظاهرة "الشخصيات الرقمية المثالية"، التي تُظهر على حساباتها محتوى دينيًا أو وعظيًا، بينما سلوكهم الواقعي قد يكون عكس ذلك تمامًا، معتبرًا أن هذا التناقض يمثل أحد أخطر أنواع التزييف.
وقال وليد رشاد: "في ناس بتحط صور فيها وعظ وأحاديث دينية، وفي الواقع سلوكهم ممكن يكون عكس كده تمامًا، ده نوع من أنواع التزييف.. حتى في السلوك"، مبينًا أن المجتمع لا يحتاج إلى شخصيات تعيش بـ"فلتر"، بل إلى أفراد حقيقيين يُعبّرون عن أنفسهم بصراحة، دون محاولات للتمويه أو الظهور بصورة مثالية زائفة.

وعي رقمي حقيقي
اختتم الدكتور وليد رشاد تصريحاته بدعوة واضحة إلى ضرورة تبني خطاب توعوي جديد يُعيد تشكيل علاقة الأفراد مع السوشيال ميديا، مبني على الصدق، والتمييز، وحماية الهوية الوطنية، مشددًا على أن التحدي الحقيقي لم يعد في التكنولوجيا، بل في كيفية إدارتنا لها كمجتمع وأفراد.
وأكد وليد رشاد أن بناء وعي رقمي حقيقي يبدأ من الأسرة، ويعتمد على التربية، والنقد، والرقابة الذاتية، حتى لا نتحول إلى مجتمع يعيش في "واقع مفبرك" لا يشبه حقيقته.