أمانة لا تسقط بالموت .. دار الإفتاء توضح حكم ذهب مودع عند متوفاة لم يُعرف صاحب

أثار سؤال من إحدى السيدات بمحافظة الجيزة جدلًا شرعيًا دقيقًا، حين سألت عن موقف ذهب أودعته صديقة والدتها أمانة لديها، لكن كلا السيدتين توفيتا دون أن يعرف الورثة شيئًا عن الذهب أو مالكه.
ورد الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، على هذا السؤال خلال حواره مع الإعلامي مهند السادات في برنامج "فتاوى الناس" المذاع على قناة الناس، مؤكدًا أن الأمانة لا تسقط بموت من كانت بيده، بل تظل في ذمة من يعلم بها حتى تُرد إلى أهلها أو يُبذل الجهد في ذلك.
الواجب الشرعي
قال عويضة عثمان إن على السيدة السائلة الاجتهاد في البحث عن ورثة صاحبة الأمانة، سواء بالسؤال عن عنوانها، أو اسم عائلتها، أو محاولة الوصول إلى معارف مشتركين، مشددًا: "لا يجوز التصرف في الأمانة أو إنكارها، بل يجب بذل كل ما يمكن لردّها إلى أهلها، لأن الحقوق لا تضيع عند الله".
وأضاف أن الأمر لا ينتهي بعدم العثور على الورثة، بل إن الشرع يفتح باب التصدق عن صاحب الأمانة في هذه الحالة، موضحًا: "إذا فشلت في الوصول إليهم، فلها أن تتصدق بالذهب بنية أن يكون الأجر لصاحبته، ويبقى الأمر في ذمتها، فإذا ظهر أحد الورثة لاحقًا وطالب بالأمانة، وجب دفع قيمتها له فورًا"
التوثيق والوصية
وفي سياق الحديث، دعا عويضة عثمان عموم الناس إلى ضرورة توثيق الأمانات والديون والوصايا، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده".
وأوضح عويضة عثمان أن الوصايا المكتوبة ليست رفاهية أو احتياطًا زائدًا، بل أمانة دينية تحفظ الحقوق وتحول دون ضياعها بعد الوفاة، خاصة في زمان تتسارع فيه الأحداث، وقد لا يتمكن الورثة من معرفة كل ما كان للمتوفى أو عليه من التزامات.

الدين أمانة ثقيلة
أكد عويضة عثمان أن أموال الناس ليست محل تهاون أو تجاهل، ومن يأخذ مال غيره بنيّة عدم إعادته فقد توعّده النبي ﷺ بالعقوبة، بقوله: "من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله".
واختتم عويضة عثمان حديثه بالتأكيد على أن من مات وعليه دين أو أمانة ولم يوصِ بذلك، فقد حمل ذنبًا عظيمًا، مشيرًا إلى أن براءة الذمة لا تتم إلا بأداء الحقوق أو ضمان الوصول إليها، مهما كان حجمها أو طبيعتها.
خلاصة القول: قضية الذهب المودع بلا معرفة أهله ليست حالة فردية، بل تمثل تحديًا أخلاقيًا ودينيًا في المجتمعات، تتطلب وعيًا بأهمية التوثيق، وحرصًا على حفظ الأمانات، ومبادرة بردّ الحقوق قبل أن تحين ساعة الرحيل.