عاجل

المفوضية الأوروبية :أوروبا تودع الغاز الروسي بنهاية 2027

الغاز الروسي
الغاز الروسي

أعلنت المفوضية الأوروبية عزمها على فرض حظر كامل على واردات الغاز الروسي بحلول نهاية عام 2027، خطوة تهدف إلى قطع «العلاقات العريقة» في مجال الطاقة مع موسكو بعد غزوها لأوكرانيا عام 2022. ووفقًا للوثائق الرسمية، فإن المقترحات الجديدة تمنع استيراد الغاز الروسي عبر الأنابيب أو الغاز المسال ابتداءً من يناير 2026، مع السماح باستكمال الاتفاقات طويلة الأجل القائمة حتى يناير 2028. ويعكس هذا القرار التزام الاتحاد الأوروبي بتقليل اعتماده التاريخي على الغاز الروسي، تمهيدًا للتوجه نحو مصادر طاقة بديلة.

 

الخلفية الجيوسياسية والاقتصادية للحظر

 

جاء هذا التوجه في سياق صراع جيوسياسي متصاعد وتداعيات حرب أوكرانيا، التي أدت إلى توقف نقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا وخفض حصة موسكو إلى نحو 19% من واردات الاتحاد الأوروبي بحلول 2024. ورغم تضعضع الاتكال على الغاز الروسي، ظل نحو خمس واردات الاتحاد تأتي منه، مما حدا بصناع القرار الأوروبيين إلى تعهد رسمي بإنهاء كل واردات الوقود الأحفوري الروسي بنهاية عام 2027. وقد صرح مسؤولون أن الحظر سيسير عبر إجراءات قانونية جديدة تتيح للشركات الأوروبية التراجع عن عقودها مع المورد الروسي بدعوى القوة القاهرة، لتجنب أية تبعات قانونية. وفيما تعارض دول مثل المجر وسلوفاكيا الحظر خشية الانعكاسات الاقتصادية على اقتصاداتها، لجأت المفوضية إلى استخدام تصويت مُعزَّز لتجاوز حق النقض الذي تهدده هذه الدول.

 

تداعيات القرار على سوق الغاز العالمي

 

سيخلق قرار الحظر فراغًا كبيرًا في إمدادات الأسواق العالمية، مما يزيد الضغط على الدول المصدّرة الأخرى لتعويض الفجوة. وقد شهد السوق بالفعل طلبًا متزايدًا على الغاز الطبيعي المسال من مصادر أخرى مثل الولايات المتحدة وقطر والنرويج. ولعب المشترون الأوروبيون دورًا فاعلًا في تحويل جزء من وارداتهم إلى دول أخرى، فقاموا بتكثيف استيراد الغاز النرويجي وزيادة شحنات LNG من الخارج، لا سيما من السوق الأميركية سريع النمو. أسفرت هذه التحولات عن انخفاض استهلاك الغاز في أوروبا بنسبة نحو 20% بين عامي 2021 و2023 مع زيادة شحنات بديلة. وبات من المنتظر أن تتنافس الأسواق العالمية بشدة على شحنات الغاز المسال، لا سيما مع تعافي الطلب الآسيوي، مما قد يمارس ضغوطًا إضافية على الأسعار العالمية.

 

جهود واستثمارات مصر في قطاع الطاقة

 

استثمرت مصر في السنوات الأخيرة بشكل كبير لتعزيز إنتاجها المحلي من الغاز والاستفادة من موقعها الجغرافي. ففي حقل غرب الدلتا العميق، أعلنت وزارة البترول تنفيذ المرحلة الحادية عشرة للتنمية البترولية، وهي تُنفذ ضمن شراكة بين شركة «بي بي» البريطانية والشركة القابضة للغازات (إيجاس)، وتستهدف إنتاج حوالى 100–150 مليون قدم³ يومياً من الغاز بحلول الربع الثالث من 2025. كما أعادت مصر تنشيط إنتاج حقل ظهر العملاق التابع لشركة إيني الإيطالية، إذ أكّدد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي حاجة البلاد إلى رفع إنتاجه بعد أن انخفض إلى نحو 1.9 مليار قدم³ يومياً مطلع 2024. وتهدف هذه المشاريع إلى سد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، وتخفيف الاعتماد على واردات الغاز الأجنبي.

إلى جانب الإنتاج الداخلي، تستفيد مصر من بنيتها التحتية المتقدمة لتسييل الغاز لتعزيز موقعها في سوق شرق المتوسط، فقد وقعت مصر وقبرص اتفاقيات تسمح بإرسال غاز من الحقول القبرصية إلى مجمع حقل ظهر بغرض تسييله في محطة دمياط وتصديره إلى الأسواق الأوروبية. كما شهدت المنطقة اتفاقًا ثلاثيًا بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل ومصر لتوسيع صادرات الغاز الإسرائيلية إلى أوروبا عبر منشآت تسييل مصرية.
عمليًا، تصل كميات من الغاز الإسرائيلي إلى مرافق تسييل مصرية لإعادتها على شكل شحنات LNG موجهة إلى أوروبا. وتسهم هذه المبادرات في تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة يلجأ إليه المستوردون الأوروبيون لتأمين الإمدادات البديلة.

 

 

التحديات التي تواجهها مصر

 

رغم هذه الفرص، تواجه مصر تحديات جوهرية قد تحدّ من حصتها في السوق الأوروبية. فقد انخفض إنتاج مصر من الغاز بشكل حاد، إذ تراجع من أكثر من 7 مليارات قدم³ يومياً في 2021 إلى نحو 5.9 مليارات منتصف 2023، بفعل تناقص الإنتاج في الحقول البحرية والبرّية وعدم تعويضه باكتشافات جديدة كبيرة. وفي الوقت نفسه، ارتفع الطلب المحلي على الغاز بشكل سريع، مما جعل مصر تغطي نحو 75% فقط من استهلاكها المحلي من الإنتاج الوطني. وقد عادت البلاد فعليًا لاستيراد الغاز لتغطية العجز بعد سنوات من الاكتفاء الذاتي. وتواجه الحكومة ضغوطًا مالية ضخمة لتسديد التزامات شركات البترول الأجنبية، ما قد يؤثر على قدرة البلاد على تمويل مشروعات الطاقة الجديدة.
 

يرى خبراء الطاقة أن هذه المتغيرات تعزز الدور الاستراتيجي لمصر كمورد للطاقة بديلًا عن الغاز الروسي. فوفقًا لما صرح به الخبير المصري محمد حليوة، فإن بدء الإنتاج من المرحلة 11 سيشكل «خطوة استراتيجية مهمة» لتعزيز أمن الطاقة الوطني، إذ يُساهم كل مليون قدم مكعب  ينتج محليًا في توفير عملات صعبة كانت ستخصص للاستيراد. وعلى الصعيد الدولي، يشير تقرير لمعهد العلاقات الدولية (iir) إلى أن مصر، بمواردها الغازية المكتشفة حديثًا وشبكة منشآت تسييلها المتطورة، هي الدولة الوحيدة في المنطقة القادرة على تصدير الغاز إلى أوروبا بشكل مستقل، بل وتمنحها القدرة على مساعدة دول مجاورة (مثل إسرائيل وقبرص) في إعادة تصدير غازها إلى السوق الأوروبية عبر منشآتها. كما يرى محللون أن تنامي الإنتاج المصري من الغاز المسال قد يجعل مصر مورّدًا إقليميًا مهمًا لأوروبا في السنوات المقبلة، خصوصًا إذا نجحت في رفع إنتاجها وتصديرها من الـLNG.

تم نسخ الرابط