انفجارات الراديوية السريعة ساعدت في حل لغز كوني عمره عقود..القصة كاملة!

عبر ومضات راديوية غريبة تُعرف باسم "انفجارات الراديوية السريعة"، وفي خطوة مذهلة تقترب من الخيال العلمي، تمكن علماء الفلك من تتبع المادة "المفقودة" في الكون ، هذه الإشارات الكونية الساطعة والقصيرة، التي تستغرق أجزاء من الثانية، أصبحت بمثابة كشاف ضوء عملاق يخترق ضباب الكون الغامض ويكشف عن ما خفي من المادة العادية.
ما هي المادة المفقودة ولماذا هي مهمة؟
الكون يتكوّن في معظمه من طاقتين غير مرئيتين: المادة المظلمة والطاقة المظلمة، لكن ما نعرفه كـ"مادة عادية" — مثل النجوم والكواكب والغازات — يُشكّل فقط أقل من 10% مما يمكننا رؤيته فعليًا، العلماء كانوا يعلمون أن هناك كميات هائلة من هذه المادة العادية مفقودة، ولا يعرفون موقعها بدقة، فيما يُعرف بمشكلة "الباريونات المفقودة".

ومضات كونية تقود الطريق
انفجارات الراديوية السريعة (FRBs)، التي اكتُشفت لأول مرة عام 2007، وفرت طريقة مبتكرة لتتبع هذه المادة، هذه الومضات تسافر عبر الفضاء بسرعة، لكن الضوء القادم منها يتباطأ عند مروره في الغازات الكونية، مما يسمح للعلماء بقياس كمية المادة التي اعترضت طريقه. هذه الظاهرة تُعرف باسم "تشتت البلازما".
الدراسة التي نُشرت مؤخرًا في Nature Astronomy استخدمت بيانات 69 من الـ انفجارات الراديوية السريعة، بعضها يبعد عن الأرض أكثر من 9 مليارات سنة ضوئية، ما أتاح تتبع المادة المنتشرة بين المجرات بدقة مذهلة.

اكتشاف مذهل: أين تختبئ المادة العادية؟
أظهرت نتائج الدراسة أن حوالي 76% من المادة العادية في الكون توجد على شكل غازات ساخنة منخفضة الكثافة في الفضاء بين المجرات ، أما 15% منها فتوجد في "هالات المجرات"، وهي مناطق كروية ضخمة تحيط بالمجرات وتحتوي على غازات ونجوم. والباقي يوجد داخل المجرات نفسها على شكل نجوم وكواكب وغاز بارد.

المستقبل: رسم خريطة دقيقة للكون
يقول العلماء إن الـ انفجارات الراديوية السريعة قد تُستخدم مستقبلًا لرسم "شبكة الكون الكونية" التي تتكون أساسًا من المادة المظلمة، وهي البنية الخفية التي تُشكّل العمود الفقري للكون، ووفقًا للباحثين، فإن بناء تلسكوبات متطورة مثل ما تخطط له جامعة كالتيك قد يسمح برصد أكثر من 10 آلاف انفجار راديوي سنويًا.
بينما لا يزال الغموض يلف أصل هذه الـ انفجارات الراديوية السريعة، إلا أن استخدامها كأداة لقياس ما لا يُرى في الكون يمثل ثورة علمية حقيقية. فمن خلال ومضة واحدة، استطاع العلماء تسليط الضوء على أكثر ألغاز الكون استعصاء، وكأن هذه الإشارات الآتية من أعماق الفضاء تهمس لنا بأسرار نشأة الكون وتركيبته.