خيول "الشفاء النفسي": علاج فريد لقدامى المحاربين في سجون أمريكا

بين أسوار السجون وتحت شمس تكساس الحارقة، بدأت خيول هادئة تساعد جنودًا سابقين على مداواة جراح لا تُرى، إنها قصة علاج مختلف، بطلها "الحصان"... وضحاياه جنود عادوا من الحرب بألم لم يتركهم.
في أحد أقسام سجن مقاطعة "كولين" بولاية تكساس الأمريكية، تقف مجموعة من السجناء حول حلبة دائرية من الحديد، يراقبون حصانًا يرفض التعاون مع أحدهم، لم يكونوا سجناء عاديين، بل جنودًا سابقين شاركوا في معارك، ثم وجدوا أنفسهم خلف القضبان، ضحايا لصدمات الحرب.
عندما يعجز العلاج التقليدي
برنامج "فالور – VALOR" الذي تأسس عام 2018، يقدم نوعًا مختلفًا من التأهيل: العلاج بمساعدة الخيول، الفكرة ليست جديدة تمامًا، لكنها نادرة في سجون أمريكا، وتحديدًا المخصصة لقدامى المحاربين.
البرنامج يخاطب فئة تعاني بصمت، فوفقًا للإحصاءات، نحو ثلث قدامى المحاربين في الولايات المتحدة تم اعتقالهم أو سجنهم في مرحلة ما من حياتهم، وهي نسبة تقارب الضعف مقارنة بعامة المدنيين.

"لن أنسى رائحة الدم أبدًا"
المُدرّب الرئيسي في البرنامج هو "بات باكيت"، محارب قديم شارك في حرب فيتنام، ويبلغ من العمر 75 عامًا، يقول: "مرّ 50 عامًا على الحرب، لكنني كلما تذكرتها، أول ما يخطر في بالي هو رائحة أحشاء الإنسان... لن تُنسى أبداً."
العمل مع الخيول منح باكيت - كما يقول - وسيلة إيجابية لمواجهة ذكرياته المؤلمة. واليوم، يشارك هذا المسار العلاجي مع آخرين يعانون مثله.
ترويض الخيول.. وترويض الذات
لا يقتصر البرنامج على التعامل مع الخيول، بل يُستخدم أسلوب يُعرف بـ"الترويض الطبيعي" أو Natural Horsemanship، الذي يعتمد على التفاهم والتواصل لا على السيطرة والعنف.
هذا النمط يتطلب من المتدرب أن يكون هادئًا ومنضبطًا نفسيًا، وهو ما يشكل تحديًا حقيقيًا للمصابين باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، فلكي تنجح في التواصل مع الحصان، يجب أن تُنصت له وتكسب ثقته، لا أن تُخيفه أو تُجبره.

"حصاني جعلني أتنفّس"
إحدى المشاركات في البرنامج، "آشلي ديفيس"، ممرضة عسكرية سابقة، تقول إن الخيول ساعدتها على التعافي:
"أصبحت ألاحظ متى أبدأ في الانهيار، وتعلمت كيف أتنفس وأهدأ.. الخيول أعطتني أدوات للسيطرة على نفسي، بدلًا من تدمير حياتي مجددًا."

من جدران الزنزانة إلى مروج الأمل
يستمر البرنامج عادة لعدة أسابيع، تبدأ بورش تدريب يومية مع الخيول، وتنتهي بـ"جولة نصر" يخرج فيها المشاركون في رحلة ركوب خيول في الطبيعة. والنتيجة؟ تحسن في التحكم الانفعالي، وزيادة في التعاطف والثقة بالنفس، وانخفاض في التوتر.
مدير السجن، "جيم سكينر"، وهو محارب قديم بدوره، يؤكد أن البرنامج لا يُغيّر فقط حياة النزلاء، بل قد ينقذها.
"القلق الشديد يدمرهم، بعضهم يلجأ للمخدرات أو العنف... ولكن الحصان يطلب منهم شيئًا مختلفًا تمامًا: أن يهدأوا.
الخيول تتكلم بلغة لا نُتقنها… لكنها تشفينا