التوقيت ليس عبثًا.. لماذا تهاجم إيران "إسرائيل" ليلا؟

مساء كل ليل - منذ الجمعة الماضية - أصبح من الطبيعي أن تدوي صفارات الإنذار في المدن الإسرائيلية، ومع محاولات الدفاعات الجوية اعتراض موجات الصواريخ القادمة من الشرق، بات من الواضح أن هناك نمط جديد بدأ يفرض نفسه في ساحة المعركة، إيران تقصف في الليل، وبشكل متكرر ومدروس.
هذه ليست مصادفة ، ولا مجرّد رغبة في التوقيت، بل هي جزء من عقيدة عسكرية واضحة، تختار التوقيت كما تختار الهدف، وفي قلب هذه العقيدة ، تقف استراتيجية “الظلام” كواحدة من أدوات إيران الأساسية في الحرب النفسية ، والسيطرة على إيقاع المواجهة مع إسرائيل ، حسبما ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية.
التوقيت ليس عبثًا.. لماذا الليل؟
الهجوم الليلي يُوفّر لإيران ميزتين كبيرتين، أولهما التمويه التكتيكي، ففي الليل، تكون الرؤية الجوية محدودة، المسيرات، والأقمار الصناعية، وأنظمة الرصد البصرية، الإسرائيلية كلها تعمل بكفاءة أقل، ما يعطي إيران فرصة أكبر لإطلاق صواريخها دون رصد منصات الإطلاق أو تدميرها قبل الاستخدام.
أما الميزة الثانية فتتمثل في الضغط النفسي على الإسرائيليين، إذ أن الهجمات الليلية الإيرانية تضرب الجبهة الداخلية الإسرائيلية في أكثر أوقاتها هشاشة لا سيما وأن الناس نيام، والردّ الفوري أصعب، والارتباك أعلى، ما يجعل ظلام الليل أداة رعب مدروسة بيد طهران.
أسباب فيزيائية
وتهاجم إيران إسرائيل ليلًا لأسباب فيزيائية أيضًا، خاصة وأنها تعتمد على الصواريخ الباليستية والفرط الصوتية في ظل البعد الجغرافي عن خصمها إسرائيل، وعدم توافر لديها طائرات تستطيع قطع هذه المسافات دون الهبوط في محطة ثانية و التزود بالوقود.
ففيزيائيًا، الصواريخ تختلف عن الطائرات، الطائرات تعتمد على الأوكسجين في الجو لتغذية المحركات، لكن الصواريخ تحمل معها كل ما تحتاجه للاحتراق “الوقود” و"المؤكسد".
هذا يجعلها قادرة على التحليق والوصول إلى أهدافها حتى في طبقات الجو العليا، حيث لا وجود تقريبًا للأوكسجين.
لكن هذا التفوق لا يعني أن الصواريخ تُطلق في أي وقت دون اعتبار، النوع المستخدم من الوقود يلعب دورًا كبيرًا في تحديد توقيت الإطلاق:
الصواريخ ذات الوقود السائل:
تتطلب تجهيزًا دقيقًا وتعبئة قبل الإطلاق، ما يعني أن رصدها ممكن إذا تمت العملية في وضح النهار. لذلك، يُفضَّل تجهيزها وإطلاقها ليلًا، حيث تقل فرص رصدها واستهدافها قبل أن تغادر المنصة.
الصواريخ ذات الوقود الصلب:
أكثر سرعة وجاهزية، تُطلق بشكل مفاجئ. وفي سياق الهجوم الليلي، تُضاعف عنصر المباغتة، خاصة أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية لا تعمل بنفس الكفاءة في الظلام، ويكون الرد أبطأ وأكثر عشوائية.
تكتيك ميداني و حرب نفسية
الضرب تحت جنح الليل ليس فقط لتحسين فرص النجاح الميداني، بل هو سلاح نفسي قبل أن يكون سلاحًا عسكريًا، لا سيما وأن في الليل، كل شيء مضخم سواء صوت الانفجار، أو ارتباك القيادة، قلق الجمهور، أوعجز الدفاعات.
لرسالة التي ترسلها إيران واضحة: “نحن نختار الزمان، والمفاجأة جزء من المعركة”، وفق جيروزاليم بوست.