على مرمى البصر من أهرامات الجيزة مصر الخالدة ، يقف المتحف المصري الكبير شامخًا كأحد أعظم الصروح الثقافية فى العصر الحديث ، استعدادًا لافتتاحه الرسمي المُنتظر تحت رعاية فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي ، ليجسد لحظة مفصلية فى التاريخ الثقافي المصري ، ويعلن عن بدء مرحلة جديدة فى استثمار مصر لتراثها الإنساني الخالد.
إن المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى متحفي جديد ، بل هو مشروع حضاري ضخم ، يُعيد تعريف العلاقة بين الماضي والحاضر ويرتقي بأساليب العرض والبحث الأثري إلى مستوى غير مسبوق ، عبر تصور بصري ومعرفي يجمع بين عظمة المضمون ودقة الإخراج.
لطالما كانت مصر منارة للحضارات ومركزًا للإشعاع الثقافي فى العالم القديم ، وها هى اليوم تواصل هذا الدور ، لا بوصفها فقط الحاضنة الجغرافية لحضارة من أعظم ما عرفته البشرية ، بل أيضًا كفاعل معاصر فى إنتاج الوعي التاريخي وتقديمه للعالم برؤية علمية وثقافية متكاملة.
ويأتي افتتاح المتحف المصري الكبير ليُكرس هذا الدور المُتجدد ، مؤكدًا أن الحفاظ على التراث ليس حنينًا إلى الماضي ، بل استثمارًا فى الحاضر والمستقبل ، حيث تتحول الحضارة إلى مصدر للهوية الوطنية ورافعة اقتصادية وسياحية ذات أثر مُمتد.
يعتمد سيناريو العرض المتحفي على التكامل بين الفضاء المعماري والمحتوى الأثري ، ويبدأ فعليًا من خارج المتحف عند المسلة المُعلقة الخاصة بالملك رمسيس الثاني ، وقد صُممت هذه التجربة الفريدة بحيث يقف الزائر أسفل لوح زجاجي تستقر فوقه المسلة ، لينظر إلى خرطوش الملك المنحوت أسفل قاعدتها. بهذا التصميم يشارك الزائر فى تجربة حسية فكرية ، تستفز وعيه التاريخي قبل أن تطأ قدماه قاعات العرض.
بمجرد الدخول إلى بهو المتحف يجد الزائر نفسه فى قلب "الدرج العظيم" وهو فضاء معماري هائل يُعرض فيه عدد من أثقل وأضخم القطع الأثرية التي تمثل روائع فن النحت المصري ، من الدولة القديمة حتى العصر اليوناني الروماني. وعلى امتداد هذا الدرج يكتمل سرد بانورامي فريد ينتهي بمشهد بصري مهيب يطل على أهرامات الجيزة ، ليُجسد الوحدة العضوية بين المتحف وموقعه التاريخي.
عقب الدرج العظيم تبدأ قاعات العرض الرئيسية ، والتي تُعد العمود الفقري للمتحف ، وقد تم تنظيمها وفق تسلسل زمني دقيق يشمل عصور ما قبل التاريخ ، وعصر ما قبل الأسرات ، ثم الدول القديمة والوسطى والحديثة ، وانتهاءً بعصور الانتقال.
يتضمن المتحف مركزًا متقدمًا للترميم والبحث يُعد الأكبر من نوعه فى الشرق الأوسط ، مزود بأحدث التقنيات ، ويعمل به نخبة من الخبراء المصريين. وقد تم داخله ترميم الآلاف من القطع الأثرية ، أبرزها المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون والتي ستُعرض لأول مرة كاملة فى قاعة واحدة ضمن سيناريو عرض علمي متكامل.
يمثل المتحف المصري الكبير مشروعًا استراتيجيًا ذا أبعاد اقتصادية وثقافية ممتدة. فهو ليس فقط واجهة سياحية ، بل هو أيضًا أداة لتنمية الاقتصاد الثقافي وخلق فرص عمل ، وتحفيز الصناعات المُرتبطة بالحرف التقليدية والفنون.
إن المتحف المصري الكبير ليس مجرد تتويج لماضٍ مجيد ، بل هو وثيقة بصرية حية لوعي الدولة المصرية بتاريخها ، ورسالة موجهة إلى العالم بأن مصر لا تزال فى قلب الحركة الثقافية العالمية. فبين جدرانه يلتقي الحاضر بالماضي فى لحظة تجاوز للزمن ، لتؤكد مصر عبره أنها لم تكن فقط مهد الحضارات ، بل لا تزال قادرة على صونها وإعادة تقديمها ، بما يليق بعراقتها وبدورها المستقبلي.