عاجل

مع أن شهادتى مجروحة الا انها واجبة لأن اهل مكة أدرى بشعابها فأنا على دراية ببلدى وأقرب مايكون الى كل مواطنها الحبيبة المحبوبة . الحديث عن مصر يشبه من يأخد قطرة من بحر ونقطة من نهر ، فمصر ليست بلد بحدود وجغرافيا ولكنها شعب يسكن بلدا ؛ تلك هى الحقيقة الى أقرها التاريخ والدنيا كلها منذ بدء الخليقة وحتى قيام الساعة ، مصر ليست هبة النيل كما قال " هيرودوت" ولكنها هبة شعبها وتدليلا على ذلك فالنيل يجرى فى دول الاندوجو الثمانية بعد اقتطاع جزء من السودان وجعله دولة جديدة صارت الثامنة للاندوجو بعد ان كانوا سبعة ، النيل يسرى فى كل هذه الدول ولم تقم فيهم الحضارة المصرية القديمة التى علمت الدنيا كلها معنى التحضر والرقى ومفهوم الدولة القوية الراسخة ، مصر هبة هذا الشعب الأبى الذى قال عنه التاريخ والزمان والمكان أنه الشعب الوحيد فى الدنيا كلها الذى لم يترك بلاده فى أى أزمة أو حرب او شدة ويوصف بأنه لاجىء ، المصرى لم يصنف فى يوم من الايام بأنه لاجىء لأى مكان ولانازح فهو يظل فى بلده صامدا رافضا أى دعاوى لتشتيت انتماءه وبقاءه فى ارضه وبلاده . المصريون شعب له تركيبة خاصة تلك التركيبة وريثة الحضارة والتى ترفض الاقتلاع من جذورها وتتمسك بهويتها ولغتها مهما كانت قوة وجبروت المعادى والمحتل فعلى مدار أكثر من سبعة عقود من الاحتلال الانجليزى ظل المصرى محتفظا بلغته على عكس دول أخرى مجاورة أصبحت لغة المحتل هى لغة شعبها وتعاملهم وحياتهم كلها . المصريون جعلوا المحتل يتحدث باللهجة المصرية بل وجعلوه ايضا متمسكا بقيم وتقاليد مصرية بل ان العديد ممن جاءوا مصر محتلين ظلوا فيها بعد خروج قواتهم كمواطنين محبين لهذا البلد ومتجانسين مع شعبه ويؤكد مأقوله اسكندرية ومافيها من محلات يونانية ومنطقة شبرا وعاشقون حوارى وأزقة مصر من الجريح والانجليز يكلمونك عن مصر ومن فيها أنهم جزء منها ويحضرنى هنا للتأكيد على ماأتحدث عنه صديقى اليونانى ديمتري الذى يعمل فى ماسبيرو فى ادارة الموجهات وقارب على الستين وعندما تقول له انت يوناني بتأهب فى الرد ويقول أنا مصرى الهوى يوناني المنبت . المصريون شعب متميز فى كل شىء حتى فى سلبياته فهى مغلفة بخفة الروح والدم المصرى الخفيف الذى يتخذ من الأزمات مادة للنكت والضحك حتى ان الرئيس جمال عبد الناصر كان يضحك ملىء شدقيه عندما يستمع نكات عن الصعايدة الذين ينتمى اليهم بحكم المولد والنشأة ، لن تجد شعبا فى العالم كله يترك أثره المفعم بالحب والجدعنة مثل المصريين ، فكونك مصرى فلن تنسى ابدا وقد كنت قريبا فى فرنسا وفى واحدة من اللقاءات تعرفت على فرنسية اديبة كبيرة ولها محبين ومتابعين وانا عرفت اننى مصرية دمعت عينيها بتذكر أول حبيب لها واخر حبيب على حد قولها فقد قالت لو انها جاءت الى مصر لتعلم اللغة العربية واصول علوم اللغة والنحو والصرف وهناك قابلته درعمى اخذها أخذا من عالمها وأحبته وأحبها ورغم الفراق الا انها لاتنساه ابدا ، وتقول لى منذ قريب تلقيت خبر رحيله عن الدنيا وبهذا الخبر اقتلعت جذور حياتى التى امتدت من مرسيليا الى مصر عتيقة . ان تكون مصريا فذلك يعنى ان شعبنا واحدا والزين لله والوطن للجميع ، ان تكون مصريا يعنى التلاحم والترابط الى يوم الدين ، أن تكون مصريا فأنت إنسان بكل ماتحمله الكلمة من معانى فضيلة وتراث راسخ وتاريخ شامخ .. أن تكون مصريا معناه أن تكون باقيا بقاء الدهر فلا أزمات ولاحروب تزحزحك عن هويتك وانتماءك وولاءك. ولأنها مصر فحدث وإجزل العطاء وكن سخيا عندما تذكر ارض الحضارة والقداسة والحب والوفاء …

تم نسخ الرابط