عاجل

في زمن مواقع التواصل الاجتماعي، لم نعد نقارن أنفسنا بمن حولنا فقط، بل بمن نعرفهم ومن لا نعرفهم، بمن يشبهوننا ومن يختلفون عنا جذريًا. نقارن شكل حياتنا، ونجاحاتنا، وأجسامنا، وأسلوب ملابسنا، بل وحتى طريقتنا في قضاء العطلات وتناول الإفطار!
تُفتح الشاشة، وتُعرض القصص، ويبدأ العقل في السؤال: لماذا لم أحقق ما حققه فلان؟ لماذا لا أبدو بهذا الجمال؟ لماذا لا أملك هذه السيارة؟ لماذا لا أسافر مثلهم؟ وتتحوّل المقارنة من مجرد ملاحظة إلى حكم قاسٍ على الذات، ثم إلى إحباط مزمن لا يُدرك صاحبه مصدره الحقيقي.
ثقافة المقارنة ليست وليدة اليوم، لكنها كانت دائمًا محصورة في نطاق ضيّق: الأصدقاء، الجيران، الأقارب. أما اليوم، فنحن نقارن أنفسنا بملايين الأشخاص حول العالم، دون أن نعرف السياق، أو الخلفية، أو الكواليس. نرى النتيجة، ولا نرى الطريق. نرى الابتسامة في الصورة، ولا نعرف ما خلف العدسة.
الخطر في هذه الثقافة أنها تُفقد الإنسان شعوره بالامتنان لما يملك. فما أن يحقّق هدفًا، حتى يرى غيره قد سبق إليه، فيشعر وكأنه متأخر دومًا. والمقارنة المستمرة تُطفئ شعلة الرضا، وتزرع بدلًا منها شعورًا دائمًا بالنقص، حتى لو كان الإنسان ناجحًا في مجاله، محاطًا بأحبابه، ويعيش حياة كان يتمناها يومًا ما.
ولعلّ الأخطر من ذلك هو أن المقارنة تُشوّه الهوية. يبدأ الإنسان في تقليد الآخرين ظنًا أنه سيكون أكثر قبولًا، أو أكثر سعادة، فيفقد مع الوقت تفرّده، ونكهته الخاصة. يصبح نسخة باهتة من غيره، بدلًا من أن يكون النسخة الأصلية من نفسه.
لكن، هل من سبيل للخروج من هذه الدائرة؟
نعم. يبدأ الأمر أولًا بالوعي. أن ندرك أننا لا نرى الصورة الكاملة، وأن كل إنسان يسير في طريق مختلف تمامًا. ثم أن نُدرّب أنفسنا على الامتنان لما نملكه، لا ما ينقصنا. وأن نقارن أنفسنا بأنفسنا فقط: هل أنا أفضل من أمس؟ هل أقترب من هدفي؟ هل أعيش بقيم أؤمن بها؟
علينا أيضًا أن نُخفّف من وقتنا على المنصات التي تُغذّي هذه المقارنات، أو على الأقل نُحسن اختيار من نتابع. فكما نحرص على طعام نظيف لأجسادنا، علينا أن نحرص على محتوى نظيف لعقولنا.
في النهاية، السعادة ليست سباقًا تُقاس بالنتائج، بل رحلة تُعاش بتفاصيلها. والمقارنة قد تُلهمك أحيانًا، لكنها لا يجب أن تسرق فرحتك. فكن أنت، ولا تكن نسخة من أحد.

تم نسخ الرابط