عاجل

حين يتحول الصديق إلى قاتل.. القصة الكاملة لمقتل طالب منية النصر

المجنى عليه
المجنى عليه

في أغلب الجرائم والكوارث، فتش عن التربية والبيت، وابحث عن القدوة والمثل الأعلى، واتهم التدليل، والاستهتار، والبذخ في معاملة الأطفال، وما يوردهم المهالك، ويصل بهم ربما إلى حبل المشنقة. "عمرو خ. ت"، طالب بالثانوية العامة في مدرسة أبو بكر موسى في قرية البجلات، مركز منية النصر، يبدو أنه من هذا الصنف الذي تجاوز الشغب والشقاوة إلى ممارسة العنف والبلطجة عمليًا على زملائه وأصدقائه. حتى إنه، وهو القادم من مدرسة أخرى، تم فصله منها لسوء سلوكه واعتدائه على الطلاب. فهو مقيم في قرية ميت تمامة، التابعة أيضًا لمركز منية النصر، وأدين أكثر من مرة كما يفيد محيط المدرسة والمنطقة. بل ويتباهى على صفحته بنشر صورة له وهو برفقة أسلحة متنوعة في يده وأمامه، وكتب تحتها عبارة: "إنكشوني وأنا عند الطلب".

صراع الأصدقاء

من بين من تصادم معهم في المدرسة، زميله أحمد، الطالب بالصف الثالث الثانوي بنفس المدرسة، وهو بشهادة زملائه وأساتذته مجتهد، وحصل على معدل ممتاز في الصف الثاني الثانوي، وصاحب حلم كبير في الجامعة بأن يدخل كلية الطب لخدمة أسرته ووطنه. فهو ينتمي إلى أسرة بسيطة مكافحة، يمثل بالنسبة لها الأمل والثمرة اليانعة، والفرصة المواتية لمساعدة والديه وأخوته عند الكبر.

القاتل
القاتل

سخرية وتنمر

تعرض أحمد مرارًا من زميله وصديقه عمرو لسخرية وتنمر، ونشبت بينهما مشادات عديدة تدخلت فيها إدارة المدرسة وبعض الوجاهات الاجتماعية. وآخرها قبل بضعة أيام من عيد الأضحى، حيث تم عقد جلسة صلح وتفاهم وتعهد الطرفان بالالتزام بالسلام والمودة والاحترام. وظن الجميع أن الأمر قد انتهى، إلا أن المتهم دبر العدة للانتقام الشديد بأقصى ما يمكن نيله من زميله، الذي كان مشغولًا بالتحصيل والمراجعة انتظارًا لامتحان الثانوية العامة.

رحلة الغدر

دعاه المتهم إلى فسحة قصيرة في مدينة رأس البر في إجازة عيد الأضحى للترويح عن أنفسهم وتخفيف الضغوط المعتادة في هذه السنة المصيرية. فوافق أحمد لأنه لا يحمل حقدًا ولا غلًا لصديقه، ولم يأخذ حذره من فكرة الغدر، لأن الأمور كلها طيبة وطبيعية، ويتبادلان الضحك والمزاح والتسلية، فأعطى الأمان دون حرص أو شكوك. في اليوم الثالث لإجازة العيد، ذهب الصديقان إلى رأس البر، ورتبا خطط الاستحمام والسباحة في البحر، وتناول الأسماك في أحد المطاعم.

وخلال عودتهما من الساحل، وفي أحد الشوارع الجانبية التي تقل فيها حركة السير والزحام، أسرع عمرو، واستل سكينا كان يخفيه في طيات ملابسه، وإنهال طعنًا على صديقه من الخلف، مسددًا له الضربات ناحية الصدر والقلب بقصد القتل، حتى سقط أحمد أرضًا، والدماء تنزف من كل جسده، ثم صعدت روحه إلى بارئها بسكون، في لحظة تجدد فيها عنف قابيل تجاه أخيه هابيل. ويتجمع الأهالي في محاولة لإنقاذه إلى مستشفى اليوم الواحد برأس البر، دون جدوى، ويهرولون خلف القاتل حتى تم الإمساك به، وتسليمه للشرطة، وسط ذهول المارة ودهشة المصطافين.

مأساة الأسرة

وفي قرية البجلات، عاشت أسرة أحمد وأهله وأقاربه ساعات من الصدمة والذهول والغضب، فقد تبددت فرحة العيد إلى كابوس مريع وحزن كبير، وتحولت البهجة إلى حسرات وبكاء وعويل، وتغيرت الملابس الملونة والأزياء الجديدة إلى عباءات وقمصان سوداء، ومحيت كل علامات العيد من منزل الأسرة، ونصبت كراسي العزاء قبالة البيت، وتوافد الأهالي للتخفيف من وقع المصاب الجلل.

 بينما كانت غرفة أحمد، التي شهدت كفاحه وعرقه وسهره، تعج بكراسات ونماذج الامتحان على الطاولة لكل المواد، وأوراق بيضاء وأقلام، وملابس معلقة على الجدران، ورقم جلوس لن يجلس به أحمد في لجنة الاختبار. وأطفال صغار لا يتوقفون عن البكاء على فراق شقيقهم، وأم تحجرت الكلمات على لسانها، ويبست الدموع في عينها، وأب ذهب سنده الأكبر عرض الريح، وتبخرت في لحظة كل خططه لمستقبل نجله، الذي فقده دون جريمة ارتكبها أو ذنب اقترفه.

 وبعد اتخاذ الإجراءات القانونية لتشريح جثة طالب الثانوية، واستخراج الإذن بدفنه، شهد مسجد البجلات حشودًا باكية على أحمد من القرية والقرى المجاورة، وحتى من ميت تمامة، قرية المتهم بالقتل، للتعبير عن المشاركة الوجدانية لأهل الفقيد ورفضهم لما قام به الطالب من العمل الغادر. أقارب أحمد ليس لهم سوى عبارة واحدة هي القصاص العادل والعاجل من الجاني، ومن حرمهم من فلذة كبدهم، والإسراع في تنفيذ حكم الإعدام به، مع القلق من أن يفلت بحداثة سنه، الذي لا يعرفونه بالضبط، من حبل المشنقة.

الإجراءات القانونية

حررت الأجهزة الأمنية المحضر اللازم للواقعة، وتم العرض على النيابة العامة لاستكمال التحقيقات، واتخاذ الإجراءات القانونية، وحبس المتهم والتجديد له في المواعيد المعتادة، بالإضافة إلى استخراج تصريح الدفن للجثمان بعد الانتهاء من إعداد التقرير الطبي من قبل لجنة الطب الشرعي.

تم نسخ الرابط