عاجل

دلالات انسحاب رواندا من المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا

علم رواندا
علم رواندا

في ظل تصاعد التوترات التي تشهدها القارة الإفريقية اتخذت رواندا قرارًا رسميًا بالانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا “إيكاس” خلال القمة السادسة والعشرين التي عٌقدت في مالابو-عاصمة غينيا الاستوائية- بحضور أكثر من نصف قادة الدول الأعضاء. لم يكن هذا الانسحاب الأول من نوعه حيث سبق أن انسحبت رواندا من المنظمة عام 2007 مستندة في ذلك إلى نقص الموارد المالية وتركيزها على المشاركة في تكتلات إقليمية أخرى على رأسها مجموعة شرق إفريقيا (EAC). وقد عادت إلى المنظمة في عام 2016، إلا أن تكرار الانسحاب يثير التساؤلات حول مدى استدامة التفاهم في المنظمة.

جدير بالذكر أن منظمة إيكاس تأسست عام 1983 وتضم 11 دولة من وسط إفريقيا. وتهدف إلى تأسيس سوق مشتركة بين الدول الأعضاء لتعزيز التعاون في مختلف المجالات الزراعية والصناعية والتنقل والجمارك والثروة الطبيعية والمسائل المالية.

دلالات الانسحاب

ووفقًا لدراسة أعدها مركز رع للدراسات الاستراتيجية، لقد جاء انسحاب كيجالي من “إيكاس” نتيجة طبيعية للتوترات السياسية والخلافات المؤسسية خلال السنوات الأخيرة التي بلغت ذروتها في القمة السادسة والعشرين للمنظمة؛ حيث قررت القمة في بيانها الختامي منح غينيا الاستوائية عامًا إضافيًا في قيادة المنظمة، وتأجيل تسليم الرئاسة إلى رواندا، وهو ما اعتبرته الأخيرة تجاوزًا صريحًا لحقها المشروع في تولي الرئاسة الدورية المنصوص عليها في المادة السادسة من ميثاق تأسيس المنظمة، إلى جانب إشارتها إلى استبعادها من القمة الثانية والعشرين التي عٌقدت في جمهورية الكونغو الديمقراطية عام 2023؛ وعليه اعتبرت كيجالي هذا تجاهلًا متعمدًا لحقوقها، بالإضافة إلى تصاعد التوترات بين كيجالي وكينشاسا في ظل الاتهامات الموجهة لرواندا بدعم حركة إم 23 التي شهدت تمددًا بارزًا في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث استولت على مدينتي جوما وبوكافو إلى جانب إنشائها إدارة موازية في تلك المناطق. وعلاوة على ذلك انخراط رواندا في تكتلات إقليمية فعالة على رأسها مجموعة شرق إفريقيا ومجموعة تنمية دول إفريقيا الجنوبية “سادك” يعزز من قدراتها على تحقيق مصالحها بعيدًا عن “إيكاس”.

ولقد تباينت ردود الفعل حول القرار. فعلى المستوى المحلي أصدر مجلس الوزراء الرواندي في 9 يونيو الجاري بيانًا أكد فيه قرار الانسحاب من “إيكاس”، كما أعرب عن قلقه من التلاعب بالمنظمة من قبل الدول الأعضاء بشكل فردي وعلى رأسها جمهورية الكونغو الديمقراطية بجانب رفضه لمبررات قرارات المنظمة وأشار البيان إلى أن كينشاسا بدأت الصراع بشن هجمات على مواطنيها أواخر عام 2021، كما أنها سمحت لأكثر 200 جماعة مسلحة غير شرعية بالسيطرة على مقاطعتها الشرقية؛ مما يشكل تهديد أمنى للدول المجاورة.

وعلى المستوى الإقليمي رحبت حكومة الرئيس الكونغولي “فيليكس تشيسكيدي” بالقرار، وقالت في بيان إن الدول الأعضاء “اعترفت بالعدوان على جمهورية الكونغو الديمقراطية من قبل رواندا وأمرت الدولة المعتدية بسحب قواتها من الأراضي الكونغولية”. بالإضافة إلى عدم إصدار الجماعة الاقتصادية لوسط إفريقيا أي رد فعل رسمي على قرار الانسحاب حتى الآن.

وعلى المستوى الدولي لم تصدر الولايات المتحدة الأمريكية أي بيان بشأن الانسحاب من المنظمة، لكنها عززت في الوقت ذاته موقفها الداعي إلى انسحاب القوات الرواندية من شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية قبل أن يوقع الجانبان اتفاق السلام.

ومما سبق نستنتج أن الانسحاب له دلالات جيوسياسية بارزة؛ في مقدمتها تراجع ثقة رواندا في فعالية المنظمة وقدرتها على التعامل مع أزماتها الداخلية، فضلًا عن اعتراضها على ما تراه “غيابًا للحياد” في آليات اتخاذ القرار. وتشكل هذه الخطوة رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن رواندا سوف تنسحب من أي تكتل يعيق تحقيق مصالحها الوطنية ولا يلتزم الحياد. أما من حيث التداعيات فإن الانسحاب يسهم في تقويض مكانة “إيكاس” كمنظمة إقليمية جامعة؛ مما قد يمهد الطريق لانسحاب دول أخرى إلى جانب سعيهم لانضمام إلى تكتلات إقليمية أكثر فاعلية يسعون من خلالها إلى تحقيق مصالحهم وأهدافهم. كما أدى الانسحاب إلى مزيد من التدهور في العلاقات بين كينشاسا وكيجالي وعرقلة جهود الوساطة القائمة بين الطرفين.

وفي الختام نجد أن قرار رواندا بالانسحاب من المجموعة الاقتصادية لوسط إفريقيا لا يعد حدثًا يقتصر أثره على الساحة الداخلية لرواندا أو علاقاتها الثنائية مع دول الجوار خاصة على صعيد النزاع في شرق الكونغو، وإنما تمتد آثاره  للتأثير على التعاون الاقتصادي والسياسي داخل المنطقة. وتظل عودة كيغالي إلى “الإيكاس” مرهونة بعدة عوامل رئيسية يأتي على رأسها نجاح المساعي الدبلوماسية بين كينشاسا وكيجالي وتحقيق قدر من الاستقرار في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية التي تمثل أحد بؤر التوتر الرئيسية بين الدولتين. وعلاوة على ذلك يتطلب الأمر من المنظمة مراجعة أدائها في التعامل مع النزاعات بين أعضائها، وتطبيقها الصارم لمبادئها وقوانينها بشكل عادل لجميع الدول الأعضاء.

تم نسخ الرابط