في خضم الصراع الدامي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، ووسط تزايد المبادرات الشعبية والرسمية الداعمة للقضية، برزت بعض المبادرات العربية وعلى رأسها القوافل التضامنية المغربية التي تسعى إلى تقديم الدعم الإنساني لأهالي قطاع غزة، سواء عبر إرسال مساعدات طبية وغذائية أو من خلال المشاركة الرمزية للتضامن. وبينما تحظى هذه المبادرات بتقدير كبير من مختلف أطياف الشعوب العربية، كان من اللافت أن الحكومة المصرية أبدت تحفظاً مبرراً تجاه دخول هذه القوافل دون حصولها على التصاريح الرسمية المسبقة.
إن موقف مصر لا ينبع من رفض مبدأ الدعم أو التضامن، بل من حرصها على إدارة حدودها الشرقية مع قطاع غزة بما يحفظ الأمن القومي ويضمن وصول الدعم إلى مستحقيه دون اختراق للقواعد القانونية المنظمة لذلك. فمعبر رفح، وهو المعبر البري الوحيد بين غزة والعالم الذي لا تسيطر عليه إسرائيل، يخضع لإجراءات سيادية دقيقة، نظراً لتكرار محاولات استغلاله في تهريب عناصر أو مواد تضر بالأمن العام، أو تمرير أجندات سياسية تحت غطاء العمل الإنساني.
القضية الفلسطينية كانت ولا تزال قضية أمن قومي مصري، ومصر لم تتخلّ يوماً عن دورها التاريخي في دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، سواء في ميادين السياسة أو عبر الدعم الإنساني والطبي. لكنها في الوقت ذاته تتحمل مسؤولية جسيمة في إدارة حدودها مع غزة، خاصة في ظل الأوضاع المتفجرة في سيناء، واستمرار التهديدات الأمنية، ووجود تنظيمات متطرفة استغلت سابقًا الفوضى لتسلل الأسلحة والعناصر الإرهابية.
ولذلك، فإن محاولة بعض القوافل تجاوز الإجراءات المصرية وعبور الحدود دون تنسيق مسبق أو تصاريح رسمية، يعرضهم لخطر حقيقي، سواء من الناحية الأمنية أو حتى في حال حصول اشتباكات أو حوادث داخل الأراضي الفلسطينية. كما أن هذه التصرفات قد تفتح المجال لتسييس العمل الإنساني، وتحويله إلى أوراق ضغط أو استعراض سياسي على حساب أرواح المتطوعين والمواطنين الفلسطينيين أنفسهم.
الحكومة المصرية، في هذا السياق، لم تغلق الباب أمام هذه القوافل، بل تؤكد دومًا على ضرورة احترام السيادة والإجراءات الرسمية، وأنها ترحب بأي دعم يتم التنسيق بشأنه مع الجهات المصرية المختصة، سواء وزارة الخارجية أو الجهات الأمنية والمعنية بالإغاثة. كما أن مصر فتحت المعبر مرارًا خلال فترات التصعيد، وسهّلت دخول المساعدات الإنسانية، بل واستقبلت الجرحى للعلاج في مستشفياتها، وهو ما يعكس موقفًا ثابتًا لا تشوبه شبهة تقصير.
ومن هنا، فإن الرسالة المصرية واضحة: الدعم مطلوب ومرحب به، ولكن لا بد أن يكون ضمن إطار قانوني منظم، يراعي الترتيبات الأمنية والسيادية، ويحمي في نهاية المطاف المتضامنين قبل غيرهم. فالقضية الفلسطينية تستحق التضامن، لكنها أيضًا تستحق المسؤولية والانضباط، حتى لا يتحول الإخلاص العفوي إلى عبء على الأرض.