عاجل

رحلة من الظاهر إلى الباطن.. كيف ينظر الصوفية لـ الهجرة النبوية؟|خاص

الهجرة النبوية
الهجرة النبوية

تختلف الهجرة النبوية في المفهوم الصوفي، عن غيره من الرؤي لدى التيارات والمذاهب الإسلامية الأخرى، فهي رحلة من الظاهر إلى الباطن، فكيف ينظر الصوفية لـ الهجرة النبوية؟، هذا ما سنوضحه. 

الهجرة النبوية عند الصوفية.. رحلة من ظلمة النفس إلى نور القرب الإلهي

يقول الباحث في التصوف مصطفى زايد لـ «نيوز رووم» لم تكن الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة مجرد انتقال جغرافي أو حدث تاريخي فحسب، بل تحمل في طياتها دلالات روحية عميقة في الفكر الصوفي. فالصوفية ينظرون إلى الهجرة على أنها رمز لرحلة العبد من ظلمة النفس إلى نور القرب الإلهي، ومن حظوظ الدنيا إلى مراقي الحق سبحانه. 

وقد تطرق كبار مشايخ التصوف إلى هذه المعاني في كتبهم ومخطوطاتهم، كاشفين عن البعد الباطني لهذا الحدث العظيم.

الهجرة في الرؤية الصوفية.. من مكة النفس إلى مدينة المحبة 

ويرى الصوفية أن الهجرة النبوية تمثل انتقالا من حال إلى حال، ومن مقام إلى مقام. فمكة ترمز إلى النفس الامارة بالسوء، بينما المدينة تمثل القلب المستنير بأنوار المحبة الالهية. يقول الامام ابن عربي في "الفتوحات المكية":   "هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة هي رمز لهجرة العبد من ظلمة الجهل الى نور المعرفة، ومن حجب الحس الى فضاء الروح."  

ويؤكد الشيخ عبد القادر الجيلاني في "الغنية لطالبي طريق الحق" أن الهجرة الحقيقية هي هجرة القلب من الغفلة إلى الذكر، ومن الكدورة إلى الصفاء:  "المهاجر إلى الله هو من هجر ما سواه، وفر بدينه من ظلمات الشهوات إلى أنوار الطاعات."  

الهجرة الباطنة.. قطع المنازل والمراحل  

في التصوف، تعد الهجرة مسيرة داخلية يتخطى فيها السالك مراتب النفس (الامارة، اللوامة، الملهمة، المطمئنة) حتى يصل إلى مقام الرضا والفناء في الله. يقول السهروردي في "عوارف المعارف":  

"كما هاجر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالجسد، فالمهاجر إلى الله يهاجر بالقلب من الأوصاف المذمومة إلى الأوصاف المحمودة."  

ويذكر أبو طالب المكي في "قوت القلوب" أن الهجرة النبوية تعليم للأمة في كيفية التخلص من أغلال الهوى:  "من هجر شهواته، فقد شارك النبي محمد صلى الله عليه وسلم في هجرته، وكان من أهل الفلاح."  

الرسول محمد قدوة في الهجرة الظاهرة والباطنة  

لقد جسد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في هجرته معنى التوكل على الله والتفويض الامور اليه، وهو ما يعد أساسًا في السلوك الصوفي. ففي "إحياء علوم الدين" للامام الغزالي، نجد تفسيرا لقول الله تعالى: {الا تنصروه فقد نصره الله اذ اخرجه الذين كفروا} (التوبة: 40)، حيث يرى أن النصر الحقيقي هو نصر القلب بالايمان، والهجرة هي الخروج من سجن الأماني الباطلة إلى حرية المعرفة بالله.  

ليست حدثا مضى.. مفهوم الهجرة المستمرة عند الصوفي

الهجرة في المفهوم الصوفي ليست حدثا ماضيا، بل هي سير دائم نحو الكمال الروحي. كما قال جلال الدين الرومي:  "الهجرة لا تنتهي، فكل خطوة نحو الحق هجرة، وكل نفس يزهد فيه هو غار جديد."  

فليست الهجرة انتقالا من مكان إلى مكان، بل هي تحول من حال الى حال، وهي دعوة لكل سالك أن يهجر كل ما يبعده عن الله، ليرتحل بقلبه الى محبة الحق ورضاه.  "ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة" (النساء: 100).  

تم نسخ الرابط