محفوظة بـ"لوفر أبوظبي".. قطعة أثرية تخبرنا متى مات الملك "توت عنخ آمون"

قال بسام الشماع المرشد السياحي والمؤرخ المعروف، إن تاريخ وفاة الملك توت عنخ آمون وطريقة موته، محاطة بالغموض الشديدين، ولكن قد يكون لدينا دليل يقودنا إلى تحديد الفترة التي عاشها الملك بشكل تقريبي، والدليل عبارة عن لوحة من الجرانيت الوردى محفوظة في متحف لوفر أبو ظبي.
تصريحات خاصة
وتابع الشماع في تصريحات خاصة إلى نيوز رووم، أن توت عنخ إمن أو “آمون” هو ملك من ملوك مصر القديمة، والمعروف عند أغلب العلماء أنه حكم مدة حوالى 10 سنوات وتوفي بسن صغيرة عن عمر يناهز حوالى 19 عامًا، ولكن بدراسة تلك اللوحة قد نغير تلك النظرية.
الدليل الباقي
واللوحة عبارة عن حجر من الجرانيت الوردي، مستطيلة، مشذبة بعناية، ذات قمة على شكل عقد دائري، أي أن الجزء العلوي منها على شكل دائرة غير مكتملة، وتاريخ هذه اللوحة يعود إلى عام 1327 ق.م وهو زمن حكم الملك الذهبي، ومقاساتها 166 سم × 82 سم × 26 سم، وهي مُسجلة في متحف اللوڤر أبو ظبي تحت رقم L AD 2016.017، ويظهر في الرقم بجلاء عام 2016 وهو العام الذى تم بيعها فيه من لوفر باريس إلى لوفر أبوظبي.
ترجمة النص الهيروغليفي على اللوحة
تم العثور عليها في منطقة أبيدوس الأثرية بجانب البلينا بمحافظة سوهاج، وهي عبارة عن بيان أو مرسوم ملكي مكتوب بالهيروغليفية، وتاريخ اللوحة موجود بشكل دقيق ومحدد وسهل الترجمة، فى بداية النص، مع خراطيش ملكية تحمل أسماء الملك مثل اسم التتويج “نب خبرو رع” و معناه صاحب هيئة رع، واسم الميلاد و هو “توت عنخ إمن حقا إيون شمع” ومعناه الصورة الحية لـ إمن، حاكم إيون الجنوبية (طيبة الأقصر).
والنصوص والألقاب الملكية مثل “نب تاوي” أي “سيد الأرضين” ويعني سيد الجنوب والشمال، والنص يتضمن تأكيد لحماية كاهن أعلى من “معبد أوسير” أو أوزوريس، ومنحوت فى الجزء العلوى من اللوحة اسم مسؤول ذو حيثية هامة مع الملك "توت عنخ إمن" اسمه پا إن نيسيت pa n nesit.
تم الانتهاء منها قبل أشهر من وفاة الملك
وحسب التاريخ فربما تكون هذه اللوحة قد تم الانتهاء منها قبل وفاة الملك "توت عنخ إمن" بأشهر قليلة أو ربما توقف العمل بها عند وفاته، وهو ما يشرح وجود فراغ كبير غير معتاد أسفلها، فهل حدث أن اللوحة لم تكتمل بسبب وفاة الملك؟، واقترح العالم جابولد أن اللوحة أنجزت خلال عدة أشهر قبل وفاة الملك.
ليست ضمن مقتنيات المقبرة
واللوحة لم تكن ضمن مقبرة الملك “توت عنخ إمن" لأننا لم نراها تُدرس أو تُذكر مع مجموعة المقبرة رغم تميزها وتفردها، حيث أنها مصنوعة بيد الكاهن المرتبط والمبجِل للملك وليست مصنوعة خصيصا للمقبرة، وأيضا لأننا هُنا نتحدث عن أوسير أو أوزوريس، وأوسير معبده ومدفنه في منطقة أبيدوس، العرابة المدفونة على بعد كيلومترات من قرية البلينا بمحافظة سوهاج بجنوب مصر.
أهمية اللوحة
وأشار الشماع وأهميتها ترجع لأنها قد تكون آخر أثر تم نحته يحمل اسم ومناظر الملك "توت عنخ إمن"، ومذكور بها اسمه بوضوح، كما أنها، توضح تكريم الكاهن "پا إن نيسيت pa n nesit"، وفي أعلاها تاريخ صدور المرسوم بالتفصيل حيث يقول النص: "في العام التاسع من الشهر الثاني من موسم "آخت" أى الفيضان فى اليوم الـ12، وموسم آخت الفيضان هو بداية العام الجديد عند المصرى القديم يبدأ فى يوم 19 من شهر يوليو من كل عام بالتقويم الجريجوري وهو التقويم الذي نتعامل به حاليًا.
أواخر حكم الملك
والفترة الأخيرة من حكم الملك "توت عنخ إمن" فترة غامضة بسبب الاضرابات والقلاقل التي حدثت في مصر إبان حكم والده الملك "آخناتون"، من تغيير المعبود من "إمن" إلى "إتن" أو من آمون إلأى آتون، وتأسيس عاصمة جديدة لمصر في "تل العمارنة" بدلاً من "طيبة" وما أتبع ذلك من حدوث مناوشات وإشكالية كبيرة بين كهنة المعبودين، ثم يموت "آخناتون" بعد فترة حكم دامت 17 عامًا، وينتقل الحكم إلى توت عنخ إتن “آتون”، الذي يعود بالبلاد إلى المعبود "إمن" أو آمون، ويغير اسمه إلى توت عنخ إمن أو آمون.
حسابات جابولد
بعد حسابات مُعقدة أجراها العالم الفرنسى “جابولد” توصل إلى أن التاريخ الموثق على اللوحة يوافق 27 أغسطس 1318 ق.م، وذلك وفقاً للتقويم اليولياني، نسبة إلى يوليوس قيصر، ويوافق 15 أغسطس 1318 ق.م، وفقاً للتقويم الجريجورى، وهذا النص المنقوش على اللوحة باللغة الهيروغليفية، هو مرسوم ملكى وطبقاً، للمصدر المُطلع على دراسة اللوحة، يثبت أنه تم نقشها فى فترة تتراوح من 4 الى 6 شهور قبل وفاة الملك “توت عنخ إمن”.
وننظر على أسفل اللوحة نجد جزء فارغ ليس به أي كتابة أو نقوش وهو شئ غير معتاد بالنسبة لـ اللوحات في مصر القديمة، وذلك دليل على توقف النص باللوحة لحدث ولسبب ما و ربما يكون هذا السبب هو وفاة الملك.
نوادر اللوحة
تابع الشماع، في الجزء العلوى من اللوحة الجرانيتية نجد أنها مقسمة إلى جزئين وهذا غير معتاد بالنسبة لـ اللوحات الحجرية لـ توت عنخ إمن، وفي أعلى اللوحة على إحدى الجانبين يوضح المرسوم الملك "توت عنخ إمن"، وهو يرتدى تاج خبرش الأزرق، وهو تاج النزال العسكري، يعطى هبات وعطايا لـلمعبود الأسطورى "أوسير" (اوزوريس)، وفي الجانب الآخر مشهد ثاني للملك "توت عنخ إمن" يرتدي التاجين الأبيض والأحمر ويتلقي هبات على شكل سكب سائل من آنية من مسؤول ذو حيثية يسمى، پا إن نيسيت pa n nesit، وهذا الطقس عبارة عن سكب سائل من آنيه للملك “توت عنخ إمن”.
وظهور الملك "توت عنخ إمن" فى مشهدين مختلفين أمام شخصيتان مختلفتان فى لوحة واحدة، واحد من البشر والآخر للمعبود، وأعتقد هذا نوع من أنواع التفرد والندرة فى تاريخ لوحات حجرية لهذا الملك فى مصر القديمة.
وقال الشماع، حاولت هنا الربط، والمقارنة الزمنية بين أكاليل الورد الجنائزية المستخدمة في مراسم جنازة، وبين دفن الملك "توت عنخ إمن"، والتي اكتشفت في عام 1907م بوادي الملوك عن طريق ديفيز وأيرتون فى خبيئة وادي الملوك رقم 54، وبين توقيت توثيق نص اللوحة.
دراسة متخصصة
عندما تم عرض أنواع النباتات، والزهور والفاكهة، وأوراق الشجر المصنوع منها الأكليل على الدكتورة "هبة بدير" مدرس مساعد بكلية العلوم جامعة طنطا والتي درست النباتات المستخدمة فى صناعتها وفترة تواجد تلك النباتات في العام، حيث وجدت أن بتلات زهور اللوتس الازرق petals of blue lotus تزهر في مصر بداية شهر يوليو حتى نهاية الصيف، وزهرة Nightshade :Berry تزهر في مصر من شهر يوليو حتى نهاية سبتمبر ولكنهم استخدموا الـثمرة منها وليس البتلات، وفترة نمو الثمرة في أواخر شهر أغسطس وحتى نهاية شهر سبتمبر، وزهرة الخشخاش poppy وهو نبات يعيش مده 120 يومًا فقط ويتواجد فى فترة الصيف.
وكذلك شجرة الزيتون هي شجرة معمرة وأوراقها غير متساقطة وتظل موجودة طول السنة فلو تم استخدام زهرات من النبات فإن فترة أزهارها تكون مابين شهر أبريل إلى شهر يونيو، وأخيرًا شجرة البرساء هى شجرة معمرة مثل الزيتون مورقة طول العام.
ومن دراسة النباتات السابقة والمستخدمة في أكاليل الورد الجنائزية بمراسم دفن الملك "توت عنخ إمن" والتى اكتشفت فى 1907 م بوادي الملوك أن هذه النباتات والأوراق النباتية والشجرية تثبت أنه مات في فصل الصيف.
ومع وجود الفراغ الكبير أسفل اللوحة وذلك ربما لموت الملك فجأة فى السنة التاسعة من حكمه إبان الشهر الثاني من موسم الفيضان يعنى حوالى شهر سبتمبر بتقويم الميلادي طبقا للتاريخ المذكور أعلى النص.
وختم الشماع كلماته قائلًا، من كل ما سبق نستطيع أن نستنتج أن الملك توت عنخ إمن “آمون” حكم مصر مدة 9 سنوات وليس 10 سنوات كما هو المتعارف عليه.
