"ما فوق الجينات".. عمرو حسن: التغذية تبرمج جينات الأجيال القادمة

لطالما اعتقد العلماء أن الجينات الوراثية هي الحاكم الأول والأخير لصحة الإنسان ومستقبله، وأنها تُورّث فقط ولا يمكن تغييرها إلا بطفرة نادرة أو خطأ في الشيفرة الوراثية، لكننا اليوم أمام نقلة نوعية في فهمنا للوراثة، نقلة يؤسس لها علم جديد اسمه "ما فوق الجينات" أو Epigenetics، ليكشف أن التأثير على الجينات لا يقتصر على الموروث، بل يمتد إلى ما نأكله ونفعله ونعيشه.
ما هو علم "ما فوق الجينات"؟
وقال الدكتور عمرو حسن – أستاذ أمراض النساء والتوليد والعقم بكلية طب قصر العيني، إن ما فوق الجينات هو العلم الذي يدرس كيف تؤثر العوامل البيئية والسلوكية على طريقة عمل الجينات دون أن تُغير من تسلسل الحمض النووي نفسه، أي أن التعبير الجيني (Gene Expression) يمكن أن يتغير تبعًا لتغذية الأم، أو نمط حياتها، أو حتى تعرضها لضغوط نفسية أو ظروف صحية.
الغذاء والبيئة يعيدان برمجة الجينات
وأوضح عمرو حسن، أن هناك أدلة علمية قوية على أن الغذاء يمكن أن يعيد برمجة الجينات. من الأمثلة المذهلة ما يحدث في مملكة النحل: جميع النحل يولد متشابهًا وراثيًا، لكن اليرقة التي تتغذى على الغذاء الملكي فقط تتحول إلى ملكة تغير في الغذاء، لا في الجينات، هو ما أحدث هذا الفرق الجذري في المصير البيولوجي.
وتابع: مثال آخر من البشر خلال الحرب العالمية الثانية، عانى أطفال هولندا من مجاعة شديدة، والنتيجة أن الأطفال الذين وُلدوا لتلك الأمهات احتفظوا بجينات تميل إلى توفير الطاقة والتخزين، وهو ما أدى إلى زيادة معدلات السمنة وأمراض التمثيل الغذائي لديهم حتى بعد مرور 60 عامًا.
حملكِ يصنع مستقبل طفلك الجيني
ونوه عمرو حسن إلى أن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن نوعية الغذاء خلال الحمل تؤثر على برمجة الجينات لدى الجنين. على سبيل المثال، النساء الحوامل اللاتي يتناولن كميات كبيرة من الدهون مع نقص في البروتينات والحديد، يكون أطفالهن أكثر عرضة لاحقًا للإصابة بـمتلازمة الأيض ومشاكل صحية مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم.
رسالة لكل أم: أنتِ تصنعين جينات المستقبل
وأشار عمرو حسن، إلى أن الحمل ليس فقط مرحلة لتغذية الجنين، بل هو فرصة ذهبية لإعادة برمجة جيناته نحو مستقبل صحي، كما ألتغذية السليمة، والابتعاد عن التوتر، وممارسة الرياضة المعتدلة، كلها أدوات في يد الأم لتوجيه التعبير الجيني للطفل بطريقة إيجابية.
وأكمل: أقول لكل أم أنتِ لا تطعمين طفلك فقط.. بل تعيدين برمجة جيناته للأفضل. قراراتك اليوم هي مستقبل جيل كامل.