الوفاة الثانية داخل كبسولة الانتحار "ساركو"..أسرار الطبيب المنهار وحكاية الموت

في خضم الجدل المتصاعد حول كبسولة الانتحار "ساركو" للانتحار، والتي وُصفت بأنها "تيسلا الانتحار"، جاءت الوفاة الثانية المرتبطة بها لتكشف جانبًا إنسانيًا معقدًا ومؤلمًا.
الدكتور فلوريان فيليت، أحد العقول المدبرة وراء المشروع، انتحر بعد شهور من الاضطراب النفسي والعزلة، إثر تجربته مع أول حالة وفاة حدثت داخل كبسولة الانتحار، فهل تدفعنا هذه النهاية المأساوية للتساؤل: هل نحن مستعدون فعلاً لتطبيع مفهوم الموت المُختار بهذه الطريقة؟ سنتعرف علي ذلك من خلال تقرير “الديلي ميل” البريطانية.
طفولة يغمرها ظل الموت
نشأ الدكتور فيليت في مدينة هايدلبرغ الألمانية، مدينة الجمال والطبيعة الخلابة، لكن حتى في عمر الخامسة، كان فلوريان يحمل فكرة الموت في عقله؛ يبحث عن أماكن مرتفعة كفاية ليلقي بنفسه منها في حال اشتدت عليه الحياة، وفي مقابلة سابقة نادرة، قال: "لطالما شعرت أن الحياة يجب أن تُقاس بفارق الفائدة، وإذا اختلّ هذا الميزان، فلا معنى للبقاء."
تجذرت تلك الفكرة أكثر عندما أقدم والده على الانتحار وهو في سن الرابعة عشرة، ومع ذلك تعامل فلوريان مع الحادثة بتفكير عقلاني، معتبرًا أن والده "اتخذ قرارًا من حقه".

من الحلم بالموت إلى تصميم طريقه
بدأ الدكتور فيليت حياته المهنية في القانون وعلم النفس، وامتلك ذكاءً لامعًا أهّله للانضمام إلى منظمة "مينسا" للنابغين، ومع مرور السنوات، انجذب إلى قضايا القتل الرحيم، وعمل لاحقًا مع منظمات مثل "ديغنيتاس" و"إكزت إنترناشيونال"، ليصبح لاحقًا رئيسًا لمجموعة "ذا لاست ريزورت" التي أشرفت على أول تجربة حقيقية لـ كبسولة الانتحار "ساركو".
في سبتمبر 2024، شهد فيليت بنفسه انتحار امرأة أمريكية داخل الكبسولة، ما فتح عليه بابًا من التحقيقات البوليسية والضغوط النفسية التي لم يتمكن من تجاوزها.
تجربة مدمرة خلف الكواليس
لم تكن وفاة المرأة داخل كبسولة الانتحار سلسة كما كان متوقعًا؛ إذ استغرقت أكثر من 30 دقيقة حتى تُعلَن وفاتها، وثار الجدل حول "علامات خنق" ظهرت على جسدها، رغم أن القوانين السويسرية تتيح القتل الرحيم، فقد تم احتجاز الدكتور فيليت لمدة عشرة أسابيع في زنزانة انفرادية، قبل أن يُطلق سراحه وتسقط التهم ضده.
خلال فترة سجنه، فقد توازنه النفسي بالكامل، وتعرض لنوبة ذُهان حاد، حتى أن شريكته ذكرت لاحقًا أن شخصيته تغيّرت بالكامل بعد إطلاق سراحه.

نهاية مأساوية وأسئلة مفتوحة
انتهت رحلة الدكتور فيليت، حين لجأ إلى الانتحار في مدينة كولونيا الألمانية بمساعدة طبية، يقول صديقه وشريكه الدكتور نيتشكه: "كان شخصًا مُفعمًا بالحياة، لكن ما عاشه دمّره تمامًا."
اليوم، لا تزال التحقيقات السويسرية مستمرة، بينما تتوسع مشاريع كبسولة الانتحار "ساركو" لتشمل بلدانًا جديدة، لكن يبقى السؤال الأهم: هل يمكننا التحدث عن "موت رحيم" دون أن نتأمل الثمن النفسي والإنساني المدفوع في الكواليس؟