عاجل

في مجتمع المثاليين والأصحاء أضحى مفهوم الزواج الحلال قائمًا على رضا أهل التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي الذي يمثل صفوة المنفصمين الذين يعيشون واقعًا تغيب عنه صلة الأرحام، تغلبه الأنانية، تعلوه الكراهية، تفوح منه رائحة الكذب والخداع.

لم يسلم فيه المؤمن من الأذى، ولم يجد منه الفاجر معينا على التوبة عن فجوره. مجتمع أضحى الانفصام السائد لعقود في أذهان البعض بين انتقاد الراقصة واشتهاء جسدها لونًا أكثر شراهة في عالم «الشوشياليست» الذين دخلوا مرحلة أكثر تطورًا في ترويج الفيديوهات الخادشة للحياء في الخفاء رغم مطالبتهم بها مجاهرة أمام الملايين.

قوم سنوا ألسنتهم وأسلحتهم للحكم على الناس أحياءً في أموالهم، ملبسهم، أفراحهم، أحزانهم، بل صُدرت عليهم أجسادهم بعد الموت ما بين الرحمة والنقمة.

وليس أدعى للانفصام الذي نحياه أن تطالب والدة لاعب بترك ميراثها الشرعي لأرملة يرونها مسكينة باعتبار قربها من القبر، فيما تطالب أخرى بتوزيع مالها على الأحفاد دون اعتبار وارث أو محجوب لسبب ذاته.

أناس تتحرك عواطفهم مع الحيوان دون بني جلدتهم فتجد إدانة لمن يطالب بتعقيم كلب أو قتل عقور، بينما يحرمون على بشرٍ مكرمون الزيجة لاعتبارات وهواجس المزيفين دون اعتبارات الشهوة والغريزة التي أودعها الله إياه.

لم يؤمن الناس لقول شيخ أو يستقيموا لقولة طبيب، فسنوا ألسنتهم على شاب وأسرته وعروس وعائلتها بزعم الإكراه على الزيجة، لم يتدبروا أن الزواج لم يأت به شرع من الشرائع بل حملته الفطرة وكفلته للعقلاء وغيرهم، فهي للحيوان شهوة وغريزة، ولبني آدم كذلك.

ونسوا أن التكاثر كُفل كحقٍ مشروعٍ للجميع لم يميز فيه صحيح عن سقيم، إنس عن جان، يقول الحق جل وعلا:  «فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ»،«وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى»،«وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا»، فتجاهلوا تلك الحقوق المشروعة فقيدوها بكل قيد دون اعتبار لشرع أو إيمان بحق، تناسوا أن الجميع خَلْقُ الله متساوون وهو القائل جل في علاه:«هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ».

ومع إعلان دار الإفتاء أن المصابون بمتلازمة داون لا يوجد ما يمنعهم شرعًا أو قانونا حسبما صرحت المأذونيين إلا أن أبصارهم وأفئدتهم تأبى إلا الرفض والمصادرة على حق البشر في الفرح دون وصاية.

ولعجب قولهم أن للشاذ عن الفطرة حق، وللعابر حق، وفي غيرهم قيد وشرط، فهل آن الأوان لأدعياء العدالة ونشطاء الفيس بوك والقنوات ومن يفرضون الوصاية على الناس إن كانت منهم ويرفضونها من غيرهم أن يدعموا استفتاء الميراث بآخر عن الزواج، وثالث عن الإنجاب، ورابع عن النوم، وما إلى مثل ذلك من شحطات أصحاب الهوى الفيسبوكيين واللهون ومن تغيريهم أضواء التريند وتفاعلته.

حقًا، نحيا في أرض النفاق والمنافقين فلم يرحموا الضعفاء، فكانوا للسليط عونًا وللقاتل سيفًا، وللكاذب درعًا، وللدجال رسلًا. أما آن الأوان لهؤلاء الذين يريدون فرض وصايتهم على المجتمع أن يكفوا أيديهم عن دين الناس وهويتهم وألا يجعلوا التريند ضابطًا للمجتمع بل الدين وحده وليس سواه الذي ارتضاه  الله للناس منهجًا وحياة.

تم نسخ الرابط