عاجل

الحسابات الدفاعية: كيف يتجه مسار العلاقات بين أستراليا وأمريكا؟

أعلام أستراليا وأمريكا
أعلام أستراليا وأمريكا

قال رئيس وزراء أستراليا، أنتوني ألبانيز، إن “بلاده ستحدد سياستها الدفاعية بنفسها”، مشيرًا إلى أن حزب العمال الحاكم يعزز الإنفاق الدفاعي بالفعل، وأن بلاده استثمرت نحو 10 مليارات دولار إضافية في الدفاع، وأن هناك مواصلة في الاستثمار بالقدرات العسكرية.

ووفقًا لدراسة أعدها مركز رع للدراسات الاستراتيجية، وفي ظل سعي حزب العمال  الأسترالي إلى رفع الإنفاق الدفاعي، الذي يبلغ حاليًا 2.02% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى 2.33% بحلول عامي 2033 و2034 (لا يزال أقل بكثير من عتبة الـ 3% التي طالبت بها إدارة ترامب)، ومحاولة الولايات المتحدة الأمريكية التقليل من ظاهرة الراكب المجاني، ورفع معدلات الانفاق الدفاعي،- يبقى السؤال، هو: كيف تتجه العلاقات الأمريكية الأسترالية في ظل استمرار حالة الشد والجذب بين الأطراف الداخلية على كيفية تحديد أسس العلاقة بين الطرفين؟

يذكر أنه تم توقيع أول معاهدة بين الولايات المتحدة وأستراليا في عام 1949، والتي بموجبها تأسس برنامج فولبرايت، ومنذ ذلك الحين، حصل أكثر من 5000 أسترالي وأمريكي على منح فولبرايت الدراسية. ثم أبرمت الولايات المتحدة وأستراليا معاهدة للمساعدة القانونية المتبادلة لتعزيز التعاون الثنائي في القضايا القانونية ومكافحة المخدرات. كما وقّع البلدان معاهدات تعاون تجاري في مجال الضرائب والدفاع، بالإضافة إلى اتفاقيات في مجالات التعاون الصحي، والفضاء، والعلوم والتكنولوجيا، والتعاون في إدارة الطوارئ، والضمان الاجتماعي. تُجري العديد من المؤسسات الأمريكية أنشطة علمية تعاونية في أستراليا.[i]

ووفقا لموقع السفارة الأمريكية في كانبرا، فإن أستراليا تعد حليف وشريك وصديق حيوي للولايات المتحدة. حيث تحافظ الولايات المتحدة وأستراليا على علاقة متينة ترتكز على القيم الديمقراطية المشتركة والمصالح المشتركة والتقارب الثقافي. وتتميز العلاقات الدفاعية الثنائية والتعاون الثنائي بتقارب استثنائي. فقد خاضت القوات الأمريكية والأسترالية معًا كل صراع كبير منذ الحرب العالمية الأولى. وتُعد معاهدة الأمن بين أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة (ANZUS)، التي أُبرمت عام 1951، أبرز تحالف معاهدة أمنية في أستراليا. وقد استندت أستراليا إليها لأول مرة ردًا على الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001. ووقع البلدان اتفاقية وضع القوة الأمريكية الأسترالية في المشاورات الوزارية السنوية بين أستراليا والولايات المتحدة (AUSMIN) في أغسطس 2014، مما مهد الطريق لتعاون دفاعي وأمني أوثق. وقد شمل ذلك التناوب السنوي لمشاة البحرية في داروين وتعزيز تناوب طائرات القوات الجوية الأمريكية إلى أستراليا. وفي أكتوبر 2015، وقعت وكالات الدفاع الأمريكية والأسترالية بيانًا مشتركًا بشأن التعاون الدفاعي ليكون بمثابة دليل للتعاون المستقبلي. في عام 2017، شاركت الولايات المتحدة وأستراليا في تمرين “تاليسمان سابر” السابع، وهو تمرين عسكري مشترك يُجرى كل عامين، ويهدف إلى ضمان وإثبات قدرة قوتي الدفاع على العمل معًا بأعلى مستويات التوافق التشغيلي. ويشترك البلدان في مصلحةٍ قويةٍ في الحفاظ على حرية الملاحة والتحليق الجوي وغيرها من الاستخدامات المشروعة للبحر، بما في ذلك في بحر الصين الجنوبي. وعمل البلدان عن كثب في أفغانستان، ويتعاونان في الجهود المبذولة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، بالإضافة إلى مواجهة التحديات ومكافحة المقاتلين الإرهابيين الأجانب والتطرف العنيف. يُعدّ ضبط التسلح ومكافحة الانتشار مجالًا آخر للتعاون الوثيق بين الولايات المتحدة وأستراليا. بالإضافة إلى مشاورات “أوسمين”، تُجري أستراليا والولايات المتحدة حوارًا أمنيًا ثلاثيًا، وشراكةً ثلاثيةً في مجال البنية التحتية والامن مع اليابان، إضافة الى التعاون الأمني في اطار الإوكواس.

تحديات متنوعة:

على الصعيد الأمني، وفي ظل ربط إدارة ترامب بين الأمن والتجارة ومطالبة الدول الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية والتقليل من ظاهرة الراكب المجاني، تطالب إدارة ترامب برفع معدلات الانفاق الدفاعي، وعلى الرغم من سعى وزير الدفاع الأمريكي هيجسيث إلى طمأنة حلفاء الولايات المتحدة بأنهم لن يُتركوا وحدهم لمواجهة الصين، لكنه أصرّ على ضرورة تحمّلهم حصة أكبر من تكاليف دفاعهم.

في المقابل، ذكر رئيس الوزراء الاسترالي، قائلًا “إن بلاده ستحدد سياستها الدفاعية بنفسها”، مشيرًا إلى أن حزب العمال الحاكم يعزز الإنفاق الدفاعي بالفعل. وأضاف رئيس الوزراء الاسترالي أنتوني ألبانيز قائلا: “لقد استثمرنا 10 مليارات دولار إضافية في الدفاع، وأن هناك مواصلة الاستثمار في قدراتنا، وكذلك الاستثمار في علاقاتنا في المنطقة. ويعتزم حزب العمال رفع الإنفاق الدفاعي، الذي يبلغ حاليًا 2.02% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى 2.33% بحلول عامي 2033 و2034، ولكنه لا يزال أقل بكثير من عتبة الـ 3% التي طالبت بها إدارة ترامب.

في المقابل أكد وزير الدفاع الإسترالي ونائب رئيس الوزراء، ريتشارد مارليس، أن مشروع “قوة دوران الغواصات – البنية التحتية الغربية” التابع لـ AUKUS لا يزال يسير على الطريق الصحيح مع إدارة ترامب، ومن المتوقع أن يصل تناوب الغواصات الأمريكية التي تعمل بالطاقة النووية إلى غرب أستراليا في الوقت المحدد. علما بأن مشروع “قوة دوران الغواصات – يعد بمثابة البنية التحتية الغربية” التابع لـ AUKUS حيث يتم تناوب الغواصات البريطانية والأمريكية التي تعمل بالطاقة النووية حول القاعدة البحرية HMAS Stirling، جنوب بيرث في ولاية غرب استراليا. وقال السيد مارليس: “نستعد بجهد كبير لإنشاء قوة دوران الغرب خلال الفترة المقبلة، وكل شيء يسير على الطريق الصحيح”. وأضاف: “نعمل بجهد كبير على زيادة معدل إنتاج واستدامة غواصات فئة فرجينيا في الولايات المتحدة ومن المتوقع أن يبدأ تناوب الغواصات اعتبارًا من عام 2027.

وعلى الصعيد الاقتصادي، انتقد “أنتوني ألبانيز” مضاعفة دونالد ترامب للرسوم الجمركية على صادرات الصلب والألمنيوم الأسترالية، واصفًا إياها بـ “الإضرار الاقتصادي بالنفس”، وهو الأمر الذي يمثل ضغط على حكومة ألبانيز للتفاوض على إعفاء من الرسوم مع الإدارة الأمريكية، التي – إلى جانب تعريفة أساسية بنسبة 10% على جميع الصادرات الأسترالية إلى الولايات المتحدة – أضرت بثقة المستثمرين وأساءت إلى صورة أستراليا عن الولايات المتحدة. وفي استطلاع رأي أجراه معهد أستراليا في فبراير 2025، اتفق 44٪ من المشاركين على أن من مصلحة أستراليا اتباع سياسة خارجية أكثر استقلالية عن سياسات الولايات المتحدة الامريكية. إن النظرة للعلاقات مع الولايات المتحدة، ودور استراليا في العالم، لابد وأن تتغير باستمرار.

ويشهد المجتمع السياسي الأسترالي حالة انقسام في ضرورة إحداث حالة من التوازن في العلاقات الأسترالية ما بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية. فالعلاقات الاقتصادية الأسترالية مع الصين تفوق مثيلاتها مع الولايات المتحدة، ويرى فريق سياسي أن استراليا يجب أن تولي أولوية أكبر لعلاقتها مع الصين ولا ينبغي أن تتخذ أية خطوات من شانها أن تضر هذه العلاقات. كما يرى هذا الفريق ومنهم رؤساء وزراء استراليين سابقين انه عادةً ما يُبالغ مؤيدو اتفاقية AUKUS، والمؤيدون بشدة للولايات المتحدة، في تقدير التهديد الذي تُشكله دول مثل الصين على أستراليا، بينما يُعمّدون إخفاء المخاطر التي تُهدد أمنها وأمن منطقتها إذا ما تم اتباع الولايات المتحدة دون أدنى شك. وتشمل هذه المخاطر سوء التقدير أو الاستفزازات المتعمدة للحرب بين القوى العظمى. كما تشمل تهديدات مثل تغير المناخ الكارثي، وجائحة عالمية أخرى، والإبادة النووية، وانهيار سيادة القانون. وعادة ما تُصرّح الحكومة الأسترالية بأنها تعتبر تغير المناخ تهديدًا للاستقرار الإقليمي والأمن الدولي.

تودد محسوب:

في يناير 2025، سُئل وزير الدفاع ريتشارد مارليس عمّا إذا كانت أستراليا ستدعم هجمات ترامب على أسس القانون الدولي القائم على القواعد، ربما استيلاءً أحاديًا على بنما، أو ضم جرينلاند. وكان أفضل ردّ استطاع وزير الدفاع الأسترالي مارليس تقديمه، هو أن “تحالف استراليا مع الولايات المتحدة، هو في الواقع حجر الزاوية في أمنها القومي وسياستها الخارجية”.

وفيما يتعلق بتصريحات ترامب عن قطاع غزة، قال وزير الدفاع الأسترالي إنه لا أحد في الحكومة الحالية يستطيع القول إنّ مثل هذه الخطوة – أو “استيلاء” الولايات المتحدة على غزة، في هذا الشأن – ستُشكّل انتهاكًا واضحًا لسيادة القانون الدولي. ومن ثم- ووفقا لتصريحات وزير الدفاع الأسترالي- فإن الحزب الحاكم بأستراليا يختار التخلي عن مسؤوليتها في حماية سيادة القانون ودعمه، وقبول المخاطر الجسيمة التي تهدد الأمن بإبقاء دونالد ترامب في جانب استراليا. أحيانًا، كما كتب فيليب كوري في صحيفة “أستراليان فاينانشال ريفيو” في أوائل عام 2024، فإن “التودد إلى مجنون” يُعد “ضرورة”.

بينما يُشرع ترامب في تفكيك ما تبقى من النظام الدولي القائم على القواعد، ويُزعزع استقرار الاقتصاد الأمريكي والعالمي، ويُقوّض الصحة العامة، ويُفاقم التفاوت المتزايد أصلًا، ويُطلق العنان لتفوق العرق الأبيض في الداخل والخارج، ويُسرّع من وتيرة تغير المناخ الكارثي – فإن الجدل السياسي داخل أستراليا الآن هو هل بالإمكان إعادة التفكير في الامن القومي الأسترالي بشكل مختلف. فالأمن الحقيقي يتجاوز مجرد منع الحرب مؤقتًا. ففي أستراليا، وفي معظم أنحاء العالم الغربي، تُبنى السياسة الخارجية والأمنية على افتراض أن الحرب حتمية. ويستند هذا الافتراض إلى فهم انتقائي للتاريخ والسلوك البشري، مما يؤدي في النهاية إلى تعزيز أسوأ الاتجاهات في العلاقات الدولية بدلًا من مواجهتها.

ثم يُطلق الخبراء والسياسيون ادعاءات مثل “نعيش في أسوأ الظروف الاستراتيجية منذ الحرب العالمية الثانية”، وأننا نواجه “حربًا باردة جديدة”، وأن “منافسة القوى العظمى” ضرورية وخارجة تمامًا عن سيطرتنا، دون أن نواجه أي تحدٍ يُذكر. ويمكن اعتبار أي شخص يُخالفهم الرأي “مُهادنًا”. لكن هذه ليست الطريقة التي يعمل بها التاريخ، وكل ما تفعله هذه الافتراضات هو إفلات أصحاب السلطة من العقاب على أفعالهم (أو تقاعسهم).[iii] إن القول بأننا نواجه أسوأ الظروف الاستراتيجية منذ الحرب العالمية الأخيرة، على سبيل المثال، يوحي بأن ما نفعله لا يهم. في ظل ظروفنا الحالية، يوحي بأن عدونا الوجودي الأخير قادمٌ نحونا، لأن هذا ما تفعله القوى العظمى، وكل ما يمكننا فعله هو الاستعداد للأسوأ.

وفي ضوء هذه الافتراضات والجدليات، يعد هذا هو الافتراض الأساسي لمعاهدة أنزوس ANZUS والسياسة الخارجية والأمنية الأسترالية على نطاق أوسع؛ والنظر بأن أستراليا مهددة دائمًا بأعداء من الشمال. هؤلاء الأعداء لا يشبهون القيم والمبادئ والسياسات الأسترالية، والطريقة الوحيدة لحماية أمن أستراليا منهم هي الاصطفاف خلف قوة عظمى (بيضاء) أخرى. وهذا، في النهاية، هو جوهر “أوكوس   AUKUS ” لطالما كان “أوكوس”، كما وُصف آنذاك، يدور حول إحياء المجال الأنجلوساكسون، ومن ثم النظر الى هذا المدخل بانه القدرية التي تُسبب الشلل. غالبًا ما تتصرف كلٌّ من الولايات المتحدة وأستراليا كما لو أن السلوك الاستفزازي لدول المحيط الأنجلوساكسوني لا علاقة له برد فعل الدول الأخرى. ويُنظر إلى أي تصور للعدوان الصيني على أنه غير معقول ولكنه يظل يمثل تهديد.

سلوك دفاعي:

بالنظر الى السلوك الدفاعي لأستراليا – مثل الشروع في خطة لشراء غواصات تعمل بالطاقة النووية – والتي كانت من المفترض ستتم أولا مع اليابان ثم مع فرنسا لتؤول في النهاية إلى بريطانيا تحت ضغط امريكي-، مُصمَّمة بوضوح للانخراط في صراعات بعيدة عن السواحل الأسترالية – ضروري ودفاعي بحت. وهناك فريق سياسي أخر في أستراليا، يرى أنه لا شك أن الصين تُشكِّل خطرًا يجب التعامل معه. لكنها ليست تهديدًا مباشرًا وفوريًا لأستراليا، وليس من المحتم أن تُصبح كذلك. الدبلوماسية، والمشاركة الحقيقية، والتبادل الثقافي، والتواصل بين الشعوب: كلها أدوات متاحة لنا، أدوات برعت أستراليا تاريخيًا في استخدامها متى شاءت. وما بين هذا وذاك، فان التفاعل الحقيقي – أو العلاقات الحقيقية – يتطلب فهمًا واضحًا لمصالح وقيم استراليا الحقيقية. وفي الوقت الحالي، يوجد تحالف مع الولايات المتحدة. وتفخر كل من أستراليا والولايات المتحدة بديمقراطيتيهما وقيمهما الديمقراطية. في حين تُعتبر الصين، عن حق أو باطل، عدوًا وجوديًا لأنها ليست ديمقراطية. ومع ذلك، فإن الطريقة التي تتعامل بها أستراليا مع الصين في العالم بعيدة كل البعد عن الديمقراطية.

وتتميز السياسة الخارجية والأمنية الأسترالية بالسرية التامة. وتُمثل اتفاقية إوكوس مثالًا على هذه الممارسة: فقد وُضعت بالكامل في سرية تامة، وفُرضت على الشعب الأسترالي بين عشية وضحاها دون أي تشاور. ولم تخضع بعد لأي تدقيق برلماني أو ديمقراطي جاد. وهكذا تُتخذ القرارات الحاسمة المتعلقة بالأمن القومي في هذا أستراليا وفق بعض المحللين الاستراتيجيين الأستراليين والذين يرون أن السياسة الخارجية والأمنية في أستراليا لا تخضع لهذا النوع من المساءلة، مما يؤدي إلى اتفاقيات غير ضرورية ومكلفة للغاية مثل اتفاقية AUKUS. ويرى هؤلاء المحللين أن مثل هذه الاتفاقيات لا تزيد استراليا أمنًا؛ بل أنها اتفاقيات تُسيء فهم ما يُهدد الأمن القومي الأسترالي بشكل جذري، وبالتالي تُفاقم انعدام الأمن بشكل كبير. ومن منطلق أن السرية لا تصنع الأمن. فالسرية تُقوض الأمن، كما تُقوض الديمقراطية. وهذه الأنواع من الصفقات السرية تُقوض أيضًا ما يُقال غالبًا عن “القيم الديمقراطية المشتركة” لتحالفنا مع الولايات المتحدة. وكما تُظهر اتفاقية AUKUS، فإن التحالف مُناهض للديمقراطية بشكل مُباشر، وهو بعيد كل البعد عن الشفافية.

ويرى الفريق السياسي المناهض لاتفاقية الإوكوس أنه لكي تُبنى الديمقراطية السليمة على إدراك أن الأمن البشري هو منبع الأمن القومي. الأمن البشري – الأمن الحقيقي والدائم – يعني مُعالجة عدم المساواة، وبناء الرخاء، والعمل على المناخ، وحماية البيئة التي تعتمد عليها استراليا. وتتمتع أستراليا بقوةٍ وفاعليةٍ كبيرتين، أكثر من كافيةٍ لتحقيق هذا النوع من الأمن. وفي نفس السياق، فإن الساحة الأسترالية تشهد جدلا حول الدور الدولي لأستراليا وأنه بدلاً من إنفاق ما يزيد عن 368 مليار دولار على معدات عسكرية متزايدة، فان استراليا يمكنها الاستثمار في أمور تُعزز أمنها. قد يشمل ذلك خيارات بسيطة وعملية. على سبيل المثال، اعتبارًا من أوائل عام 2024، كان لدى أستراليا أسطول مكون من ست طائرات نقل جوي كبيرة ثابتة الأجنحة فقط، وطائرة هليكوبتر كبيرة، و70 طائرة هليكوبتر متوسطة وصغيرة، و56 قاذفة حارقة صغيرة ثابتة الأجنحة، و15 طائرة خفيفة ثابتة الأجنحة متاحة لمكافحة الحرائق. معظم هذا الأسطول مملوك للقطاع الخاص؛ وتستأجره الحكومة حسب الحاجة. يبلغ إجمالي الإنفاق الحكومي السنوي على هذا الأسطول حوالي 125 مليون دولار. وعلى مدى 30 عامًا – وهو نفس الجدول الزمني للتسليم المُتصوَّر لصفقة AUKUS –  والذي يبلغ حوالي 3.75مليار دولار. بعبارة أخرى، يُمثل هذا حوالي نحو واحد بالمائة فقط من ميزانية AUKUS وإن اقتراح إنفاق هذا القدر من المال على معدات مكافحة الحرائق بدلاً من الأسلحة يبدو غير واقعي، بل وغير معقول، وهو مؤشر على خطأ السياسات الحالية.

وعلى ما سبق، يمكن القول إنه على استراليا الأخذ بسياسات كما فعلت النرويج، فبدلاً من فرض رسوم على الطلاب للالتحاق بالجامعة ودعم الوقود الأحفوري بما يصل إلى 14 مليار دولار، يمكن بدلاً من ذلك فرض ضرائب على الوقود الأحفوري وجعل الجامعة مجانية، ومن ثم زيادة الاستثمار في التعليم العام، والصحة العامة، والعمل على مكافحة تغير المناخ، والعمل في شراكة حقيقية مع دول المنطقة لبناء الأمن الجماعي.

تصحيح مسار:

ولا يعني ما سبق التخلي عن علاقات أستراليا مع الولايات المتحدة. بل يعني أن هذه العلاقة يجب أن تتغير. بحيث يمكن إعادة التوازن وإعادة ترتيب أولويات تلك العلاقة، بعيدًا عن تركيزها الأعمى على فهم أجوف لـ “الأمن”، نحو تضامن ديمقراطي حقيقي. وعليه يمكن لأستراليا أن تسعى إلى دعم المهتمين بإحياء الديمقراطية الأمريكية، في الكونجرس، وفي المحاكم، وفي المجتمع المدني. وقيام أستراليا بدور الصديق الذي يُبرز أفضل ما في الآخرين ويقاوم أسوأ غرائزهم. الصديق الذي يرفض مطالب الولاء الأعمى. صديق حقيقي. ومن ثم فإن أستراليا – وفق للبعض- ليست مضطرة لتحمل كل ما تُلقيه عليها أمريكا ترامب. والقيام بلعب دور قيادي في بناء أمن عالمي حقيقي، من خلال العمل على قضايا تغير المناخ، ومنع الانتشار النووي، وبناء السلام، وحماية سيادة القانون الدولي.  واختيار بناء عالم ما بعد أمريكا. عالم أفضل وأكثر أمانًا.

ختامًا، لقد ارتبط الامن القومي الأسترالي على نحو عضوي وبحكم النشأة بالمملكة المتحدة إلى نهاية الأربعينات من القرن الماضي. وفي بداية الخمسينات انتقل هذا الرباط العضوي من بريطانيا العظمى إلى الولايات المتحدة الأمريكية من خلال معاهدة الدفاع في بداية العقد الخامس من القرن الماضي وإلى الآن. ورغم اتفاق حزبي العمال والاحرار – وهما الحزبين الأكبر في استراليا- على أهمية التحالف الأمني مع الولايات المتحدة الأمريكي وتعزيز هذه التحالف عبر شراكات امنية مختلفة وكون استراليا الحلف الاوثق للناتو من خارج الدول الأعضاء وتعزيز التحالف من خلال مجموعة الخمس عيون والتحالف مع الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا ونيوزلندا والهند واليابان. ما سبق، لم يمنع الحالة الجدلية في الوسط السياسي من توجيه النقد للسياسات الأمنية الأسترالية تجاه الولايات المتحدة والتي يرون أنها تضر الأمن الأسترالي أكثر مما تنفعه، وأنه لا ينبغي النظر إلى الصين على أنها عدو أو أنها تهديد خاصة وأن الصين هي الشريك التجاري الأول لأستراليا. كما أن استراليا بتحالفها مع الولايات المتحدة تفقد دورها الرئيسي في العالم لتعزيز الأمن الإقليمي والدولي والاهتمام بقضايا التعليم والصحة والمناخ وبدلًا من ذلك تقوم على تعزيز التحالفات الأمنية التي يتم الانفاق عليها أموال طائلة وتزيد من التوترات على الساحة الدولية.

تم نسخ الرابط