من تعلق قلبه بالله لا يضره أن لا يُكمل دنياه
العابدة عائشة بنت عبد القادر.. قصة سيدة أبت ألا تتزوج غير السيد البدوي

يرتبط التاريخ الصوفي بكثير من الحكايات خاصة ما يتعلق بالأولياء، ومن ذلك قصة السيد البدوي، والسيدة عائشة بنت عبدالقادر المغربي، فما قصتهما؟
السيدة التي رفض السيد البدوي الزواج منها ورفضت ألا تتزوج غيره
يقول مصطفى زايد الباحث في التاريخ الصوفي، إن في تاريخ التصوف الإسلامي تظهر لنا حكايات تمتلئ بالحب لله والانقطاع عن الدنيا من أجل محبته ومحبّة أوليائه، ومن بين هذه الصفحات الجميلة تبرز قصة السيدة عائشة بنت الشيخ عبد القادر المغربي، وهي امرأة ذات روح نقية، نذرت قلبها لله وحده بعدما رفض السيد أحمد البدوي الزواج منها، فكان رفضه بداية عهد خاص بينها وبين السماء، قررت بعده ألا تتزوج أحدًا غيره، حتى لو لم يربط بينهما لقاء.
من هي عائشة المغربي؟
وعن عائشة المغربي يقول «زايد»: وُلدت في دمشق، في بيت صوفي مشهور بذكر الله والعلم، والدها هو الشيخ عبد القادر بن إسماعيل المغربي، من المقربين إلى أبي الحسن الشاذلي، وكان من كبار الصوفية في الشام، أما أمها فهي السيدة فاطمة بنت علي الحلبي، تنتمي إلى بيت معروف بالتدين والعلم. وكان لعائشة إخوة وأخوات ساروا على طريق التصوف مثل أخيها الشيخ محمد المغربي، مفتي دمشق، وأختها السيدة زينب المغربية، وكانت مثلها من النساء العابدات.
وتابع: نشأت عائشة في هذا الجو الروحي، فحفظت القرآن في سن صغيرة، وتعلّمت الحديث والفقه، ثم بدأت رحلة السلوك إلى الله، فكان الذكر زادها اليومي، وكانت تقضي الليالي في الصلاة والعبادة، وكانت دموعها رفيقة طريقها.
وفي سنة من السنين، أرسل والدها رسالة إلى السيد أحمد البدوي، يعرض عليه الزواج من ابنته عائشة، وكان السيد البدوي حينها معروفًا في مصر والشام، وتُروى عنه الكرامات. وكان من المتوقع أن يقبل هذا الزواج، خاصة أن البيتين كانا من بيوت التصوف، لكن السيد أجاب بجملة بسيطة صارمة: “من تزوج فقد شغل نفسه عن الله، وأنا لست من أهل الدنيا”، فلما وصل هذا الرد إلى والدها، وأُبلغت به عائشة، قالت جملة حفظها من عرفوها لن أجد بعده مثله، فلا زوج لي بعد اليوم إلا الله.
من تلك اللحظة، تغيّرت حياتها بشكل كامل، ولبست ثوبًا أسود بسيطًا مصنوعًا من الصوف، وابتعدت عن حياة الزينة والزيارات، وصارت تقيم أكثر وقتها في زاوية من بيتها للعبادة، وكان بعض من زارها يشم في مكان صلاتها رائحة طيبة عطرة. وكان من تسألها عن سبب رفضها الزواج تقول
خُطّيتُ للسيد البدوي فكفاني الله دنيا وآخرة
بدأت تظهر عليها علامات القرب من الله، فكانت تعرف ما في القلوب قبل أن يُقال، وإذا جاءها مريض، كانت تمسح عليه بكفها وتدعو له، فيُشفى، حتى قيل إن رجلاً أعمى زارها، فمسحت على عينيه، فعاد إليه بصره.
عاشت على هذا الحال، صامتة عابدة لا تلتفت إلى شيء من الدنيا، حتى جاء أجلها، وذلك في ليلة النصف من شعبان سنة 771 هـ، ودفنت بجانب والدها في مقبرة الصوفية بدمشق، ونُقش على قبرها: “هذا قبر العابدة عائشة بنت عبد القادر، ترفضت الزواج بعد رفض السيد، وزفّت قلبها إلى الله وحده”.
وظل قبرها كما كانت حياتها، علامة على أن من تعلق قلبه بالله، لا يضره أن لا يُكمل دنياه.