ألمانيا تُخطط لبناء ملاجئ تحت الأرض لمواجهة تهديد روسي محتمل

في ظل تصاعد المخاوف الأمنية في أوروبا، بدأت ألمانيا إعداد خطط لبناء ملاجئ تحت الأرض محصنة ضد القنابل، ضمن استراتيجية دفاعية جديدة تهدف إلى مواجهة أي تهديد عسكري روسي محتمل خلال السنوات الأربع المقبلة. وتأتي هذه الخطوة غير المسبوقة في دولة طالما عُرفت بسياستها المسالمة منذ الحرب العالمية الثانية.
دعوات إلى إدراك حقيقة "الخطر القادم"
وفي هذا السياق، حذر رئيس المكتب الاتحادي للحماية المدنية والمساعدة في حالات الكوارث، رالف تيسلر، من أن البلاد "غير مستعدة بشكل كافٍ"، مطالباً بمواجهة حقيقة التهديدات العسكرية الجدية في أوروبا. وقال في تصريحات لصحيفة زود دويتشه تسايتونغ: "لفترة طويلة، كان يُنظر إلى الحرب على أنها أمر لا يستحق الاستعداد له. لكن الوضع تغير كلياً الآن".
وأشار تيسلر إلى أن هناك حاجة ملحّة لتحويل البنى التحتية الحالية مثل الأنفاق ومحطات المترو والمرائب ومواقف السيارات إلى ملاجئ فورية يمكن أن تستوعب مليون شخص، مؤكدًا أن بناء ملاجئ جديدة سيستغرق وقتًا طويلاً وسيكون مكلفًا للغاية.
خطة وطنية شاملة قيد الإعداد
وكشف تيسلر أن مكتبه سيعرض خطة وطنية متكاملة خلال الصيف الجاري، هدفها التعجيل بتجهيز البلاد لأي سيناريو طارئ، قائلاً: "نحن في سباق مع الزمن". وأضاف أن الاكتفاء ببناء ملاجئ جديدة ليس خياراً عملياً في ظل التهديدات العاجلة، داعياً إلى الاستفادة القصوى من البنية التحتية القائمة، وتحويلها إلى نقاط حماية فاعلة بأسرع وقت ممكن.
الجيش أمام مهلة 3 سنوات لتعزيز قدراته
وفي الإطار ذاته، حذرت أنيت لينيغك إمدن، رئيسة المكتب الاتحادي للمشتريات العسكرية، من أن أمام الجيش الألماني فقط ثلاث سنوات لاستكمال حيازة المعدات والأنظمة الدفاعية اللازمة لصد أي هجوم روسي محتمل على أراضي دول حلف شمال الأطلسي.
وأشارت في حديثها لصحيفة تاغشبيغل إلى أن "المهلة تنتهي بحلول عام 2028، ويجب أن نكون جاهزين قبل ذلك بعام لتدريب القوات على المعدات".
كما حذّر المفتش العام للجيش الألماني، كارستن بروير، من أن روسيا قد تكون مستعدة لشن هجوم واسع على أراضي الناتو اعتبارًا من عام 2029، مشدداً على أهمية الاستعداد المسبق.
إعادة التسلح.. أولوية حكومية جديدة
وتحوّلت قضية إعادة تسليح الجيش الألماني إلى أولوية قصوى في عهد المستشار فريدريش ميرتس، الذي يقود ائتلافاً حكومياً مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي. ويهدف ميرتس إلى جعل الجيش الألماني "أقوى جيش تقليدي في أوروبا"، بعد عقود من الإهمال والاعتماد على القوة العسكرية الأمريكية داخل حلف الناتو.
ورغم أن خطوات إعادة التسلح بدأت فعلياً في عهد المستشار السابق أولاف شولتس عقب اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا عام 2022، إلا أن التهديدات الجديدة دفعت برلين إلى تسريع وتيرة التحديث العسكري، وسط تغيّر جذري في المشهد الأمني الأوروبي.
ألمانيا تنهي "عهد السلام الطويل"
هكذا، تتحرك ألمانيا اليوم بخطى حثيثة نحو بناء استراتيجية دفاعية حديثة تتناسب مع واقع عالمي مضطرب، لتطوي بذلك صفحة طويلة من التراخي الدفاعي، وتُعيد الاعتبار لمفهوم الأمن القومي في مواجهة التحديات المقبلة.