عاجل

لقاء الروح  والقلب: 

لقاء افتراضي 

بين جلال الدين الرومي

 ود. جمال شعبان

في حديقة زنبقية في قونية، 

يجلس الرومي على حصير صوفي بسيط، بينما يدخل د. جمال شعبان حاملاً حقيبة طبية وفي معصمه ساعة يد لامعة ناصعة

*د. جمال شعبان:* (بتأمل) 

السلام عليكم يا مولانا...

لطالما سمعت عن حدائق روحكم، فجئت أقتطف من أزاهير روضكم وأحتذي من عبير حكمتكم 

جئتكم من أقصي المدينة أسعي 

باحثا عن سرّ القلب الذي لا يخفق بالدم فحسب، 

بل بالنور والعطور والسرور ومكارم الأمور

*جلال الدين الرومي:* (وعلي ثغره تضيء ابتسامة صوفية) وعليكم السلام ورحمة الله... 

أهلاً بمن يرقب الإشارات في شرايين القلوب والأجساد! 

أما القلب الحقيقي فهو ذاك الذي يذوب كالشمعة في محراب الحب الإلهي. 

ألم تقل في حكمتك: "رصيدك في عدد القلوب التي طبطبت عليها"؟ 

*د. جمال:* (يجلس على مقعد حجري) نعم... في غرفة العمليات، حين أرى قلوباً تبوح بأسرارها على شاشة التخطيط، 

أتساءل: كم منها ينبض بالحياة حقاً؟ كثيرون يملكون قلوباً سليمة تشريحيا وعضويا ، 

لكنها كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله! 

(نحن نستهلك أعمارنا في التنافس علي براندات وماركات زائفة (يشير إلى ساعته) 

هذه الساعة التي كأنها "الروليكس" 

لا يضيرني ولا يعنيني كونها أصلية أم مقلدة - 

لأن عقاربها تشير إلى زمن لا يرحم 

الموت هو المحطة الوحيدة التي لا مناص عنها،

ويلتقي تحت سفحها

ويتوسد تحت ثراها جميع المسافرين  سواء من سافر بمرسيدس  باذخة شامخة 

أو بالحافلة العامة البائسة الضامرة 

*الرومي:* (يهز رأسه موافقاً) الدنيا كالسفينة الدائرة...

راكب في المقدمة الفاخرة، 

وآخر في المؤخرة المتواضعة، 

لكن الموج يغرق الجميع سواء

(ينتقل إلى لحن شعر) أَتَعْلَمُ لماذا نظمت 43 ألف بيت في "ديوان شمس تبريزي"؟ لأني ذقت طعم الموت مرتين: حين غاب شمس عن عيني، وحين أدركت أن الدنيا سرابٌ يلهث خلفه الجاهلون!

*د. جمال:* (يمسك قلادة طبية) أنا رأيت في مستشفيات القاهرة، 

أغنياء يبكون على أسرة المرضي قد استولي عليهم الداء  العضال  وليس حولهم إلا حراس! 

بينما  ثمة فقير أشعث أغبر ذو طمرين مهلهلين يحيط به أحباؤه كالنجوم! 

لقد كتبت يوماً: "اذرف دمعة وانظر من يمسحها - فهذا هو رصيدك الحقيقي!" 

*الرومي:* (يقترب منه) يا حكيم القلوب ! ألا تعلم أن البسطامي كان يقول: "موتوا قبل أن تموتوا"؟ الموت الذي أقصده هو موت الأنا... 

ذاك الوهم الذي يلبسنا أثواب العظمة حين ينسي الطين يوما أنه طين 

ويظن أنه فرقد 

فيصول ويجول تيها في الأرض ويعربد !

(يشير إلى جبته الصوفية) أترى هذا الصوف؟ يظن الجاهلون أنه أمارة الزهد وسيماء التواضع 

وهو في الحقيقة كفنٌ نلبسه كل يوم لنولد من جديد! 

*د. جمال:* (يخرج دفتر ملاحظاته) لقد كتبت مرة علي بروفايلي الفيسبوكي"السعادة في طاعة الرب والرضا".. 

ولكن كيف نوفق بين هذا والجري خلف الرزق مثل جري الوحوش في البرية ؟ أليس في ذلك تناقض 

لا ينبغي السكوت له ؟

*الرومي:* (يضحك برقة) الاستغناء عن الشيء لا يعني رفضه! إنما هو كالطائر يحمل في منقاره حبةً، لا تثقل طيرانه ولا تسقط! (ينتقل إلى لهجة شعرية) 

"كُنْ كَالنَّهْرِ فِي الْعَطَاءِ... وَكَالشَّمْسِ فِي الْإِشْعَاعِ... 

وَكَالأَرْضِ فِي التَّوَاضُعِ... وَكَاللَّيْلِ فِي الستر" 

*د. جمال:* (بتأمل عميق) في عملي كطبيب قلب، اكتشفت أن نسبة معتبرة من  النوبات القلبية سببها "توتر الماديات" أو بعبارة أخري عبادة الدنيا العاجلة والرزوح تحت نير الشبق أو السقوط بسبب ريح الجشع إلي وهدة سحيقة عميقة لا مناص عنها ولا ملاذ منها 

ثمة أناس يموتون بسبب خوفهم من فقدان ما لا يملكون أساساً! 

إن كل الذي نزعم أننا نمتلكه ليس ملكية إطلاقا 

يا هو  حق انتفاع مؤقت محدد بالمسافة الزمنية المحدودة بين نقطتين

 هما الميلاد والممات

*الرومي:* (يقف للرقص والتمايل السماوي) ألا ترى معي؟! هذا "السماع" الذي أمارسه ليس  رقصا ولا يوجا أو meditation كما تذكرون 

إنه تحليق! 

(يدور ببطء) حين تدور كالكواكب حول محور الحب الإلهي، تسقط عنك أثقال الدنيا كالأدران! ثم تعرج روحك إلي الملأ الأعلي لتتعلق بتلابيب باب المولي عز وجل 

في زمنكم يقول الشخص العامي أنا علي باب الله أي بلا وظيفة ولا دخل

بينما الحقيقة أن هذه أرفع رتبة وأعلي مقام أن تكون علي باب الرب عز جلاله ذلك مقام صدق عند مليك مقتدر

أتعرف لماذا يرتدي دراويشي الأكفان البيضاء تحت عباءاتهم السوداء؟ ليتذكروا دائما  أنهم راحلون... فمن يعلم حقيقة الرحيل، وقصر أمد الرحلة يعيش بقلب خفيف من أثقال الماديات ولا ينقض ظهر الليالي بحقائب الأماني الثقال….

*د. جمال:* (تلمع عيناه) لقد وجدت الجواب! القلب السليم  ليس ذلك الذي ينبض بانتظام...

بل الذي:

- يذوب شوقاً كقلب رابعة العدوية

- يتسع للخلق كقلب الحسن البصري

- يثبت في المحن كقلب بلال

*الرومي:* (يضع يده على صدر د. جمال) اسمع نبض الحقيقة: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ... وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْحَيَاةِ!" حياة الروح تبدأ حين تتوقف عن عدّ النجوم، وتبدأ في إشعال الشموع في ظلام الآخرين... طوبي للذين يحملون مشاعل التنوير والتعليم في خضم دياجير الجهالة والسطحية 

*(ينهمر المطر فجأة في الحديقة، فيرفع الرومي وجهه للسماء، بينما يفتح د. جمال مظلته)*

*د. جمال:* (بصوت مرتجف) المطر يذكرني بدموع المرضى... دموع الخوف من الرحيل بلا ذكريات جميلة!

*الرومي:* (يمسح قطرة مطر على جبينه) بل هي دموع الفرح! لأن الله يغسل الأرض كما تغسل الدموع قلوب العاشقين! (يشير إلى بركة ماء) انظر... هذه القطرات حين تسقط منفردة تذوب في البركة... وكذلك نفوسنا حين تذوب في محيط الوجود!

*(يلمع قوس قزح فجأة، فيصمتان معاً مشدوهَين)*

*د. جمال:* (بهدوء) لقد فهمت الآن لماذا  تدور في السماع فيحسبك السطحيون تتراقص 

بينما أنت في دورة البحث عن الوحدة في قلب الكثرة! 

أليس هذا سرّ الساعة أيضاً؟ عقارب منفصلة تشير إلى وحدة الزمن!

*الرومي:* (يضم يده) نعم... وحدها القلوب المتصلة بالحب الإلهي تشعر بالأبد في اللحظة! (يلمع وجهه) أتسمح لي أن أهديك وصيتي؟

"كُنْ كَالسَّاعَةِ... صَادِقاً فِي عَدِّ اللَحَظَاتِ... 

كُنْ كَالْقَلْبِ... لَطِيفاً فِي دَقَّاتِهِ... 

وَاذْكُرْ أَنَّ الْمَحَطَّةَ الْأَخِيرَةَ هِيَ بِابُ اللِّقَاءِ!" 

**(يغادر د. جمال والرومي يهمس بقصيدة، بينما تظهر على الشاشة كلمات د. جمال: "السعادة في الصحة وراحة البال")

الموت قبل الموت (عشق الأنا) 

التحرر من أثقال المادة دواء للقلب المادي والروحي 

الحب الإلهي محراب الأمان     

العلاقات الإنسانية رأس المال الحقيقي 

السعادة في التوازن بين حب الخالق وحب الخلق الضحك والتفاؤل وقاية قلبية  الحركة الروحية والجسدية شفاء متكامل "كُن كالنهر في العطاء""رصيدك في القلوب التي طبطبت عليها"

 العطاء الإنساني هو أكسير الحياة 

"سواء أدركتَ اللحظة بساعةٍ من ذهب، أم بشمسٍ في كفّ يتيم، فالثواني تتساوى حين تملؤها بالمعنى!" 

 

تم نسخ الرابط