باب زويلة.. بوابة القاهرة الفاطمية وسجلّ تاريخي ناطق على مرّ العصور

في قلب القاهرة التاريخية، يقف باب زويلة شامخًا، لا كأثر معماري فقط، بل كصفحة ناطقة من تاريخ مصر، ممتدة من العهد الفاطمي حتى نهاية دولة المماليك؛ وتناولت قناة "النيل للأخبار" في تقرير ميداني شامل هذا المعلم التاريخي، مؤكدة أنه واحد من أقدم وأهم أبواب المدينة القديمة، لما شهده من تحولات سياسية وعسكرية ودينية طوال قرون متعاقبة.
ويُعد باب زويلة البوابة الجنوبية للعاصمة الفاطمية، وقد بُني في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله عام 1092 ميلادية، بأوامر من وزيره الشهير بدر الجمالي، الذي لعب دورًا رئيسيًا في تعزيز تحصينات القاهرة.
قبيلة "زويلة" وحكاية الحراسة
سُمي باب زويلة بهذا الاسم نسبة إلى قبيلة زويلة، وهي إحدى القبائل القادمة من شمال إفريقيا مع القائد الفاطمي جوهر الصقلي عند فتحه لمصر. وقد استقرت القبيلة في محيط المنطقة، وتولّت مسؤولية الحراسة والدفاع عن البوابة، ما منحها دورًا محوريًا في تأمين مدخل القاهرة الجنوبي.
وبحسب المصادر التاريخية، كانت القاهرة تضم سبعة أبواب رئيسية، لم يتبقَّ منها حتى اليوم سوى باب زويلة، باب النصر، وباب الفتوح، مما يزيد من قيمة زويلة كأثر نادر حافظ على مكانته المعمارية والتاريخية.
من سجن المؤيد إلى مئذنة شاهقة
يمتاز باب زويلة بوجود برجين دائريين شامخين، جُعل منهما لاحقًا قاعدة لتشييد مئذنتي جامع المؤيد شيخ، الذي بناه السلطان المملوكي عام 1415 ميلادية، في الموقع ذاته الذي سُجن فيه خلال فترة شبابه. ويروي المؤرخون أنه نذر بناء مسجد في حال خروجه من السجن، ليُنجز ذلك الحلم في موقع كان يُرمز إليه بالقيود، فتحوّل إلى مكان للعبادة والروحانيات.
هذه القصة المدهشة تعكس قدرة الأماكن على التحول من رموز للمعاناة إلى منارات للأمل والعمران.
مصب الزيت وحبال المشانق
من أبرز الخصائص الدفاعية التي ميّزت باب زويلة وجود فتحات علوية تُعرف بـ"مصب الزيت"، كانت تستخدم لإلقاء الزيت المغلي على المعتدين، مما يعكس براعة التخطيط العسكري في العمارة الإسلامية.
ولم يكن الباب مجرد مدخل للمدينة، بل تحوّل أحيانًا إلى أداة ردع سياسي، حيث نُفذت عنده عدة أحكام إعدام، أبرزها شنق السلطان المملوكي طومان باي وتعليق رأسه على البوابة، في مشهد مؤلم رسّخ في الذاكرة الشعبية هيبة السلطة وألم الفقد.
مركز للموكب والعبادة
رغم عدم تسجيل أي هجمات خارجية مباشرة على باب زويلة خلال العصور الفاطمية والمملوكية، إلا أن البوابة كانت مسرحًا للعديد من الأحداث السياسية والدينية، حيث عُلّقت رؤوس قادة التتار عليه، ومرّ منه موكب كسوة الكعبة المشرفة في طريقه إلى الحجاز، إلى جانب مرور السلاطين خلال مواكب التنصيب الرمضانية.
هذه الأحداث تعزز مكانة الباب كرمز للسلطة والعقيدة في آنٍ واحد، حيث تمازجت فيه الدلالات السياسية والروحية.

معلم سياحي وشاهد حي
اليوم، يُعد باب زويلة أحد أبرز المزارات التاريخية في القاهرة الإسلامية، يزوره السياح من مختلف أنحاء العالم لاستكشاف معالمه، والتقاط صور تُجسد عظمة العمارة العسكرية الإسلامية.
ويُبرز الباب عبقرية التصميم الدفاعي والقوة الرمزية التي لعبها في تشكيل وعي المصريين لقرون، مما يجعله عنصرًا أساسيًا في سردية القاهرة كمدينة عابرة للعصور، لا تزال تنبض بتاريخها وسط الزحام الحديث.