عاجل

حدود الدور الأمريكي في المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا

جانب من جلسة المفاوضات
جانب من جلسة المفاوضات

عُقدت الجولة الثانية من المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا في مدينة إسطنبول يوم 2 يونيو الجاري، وقد نتج عن هذه الجولة اتفاق تبادل مزيد من أسرى الحرب بين البلدين، فيما قدمت روسيا مسودة مذكرة بشأن التسوية ووقف إطلاق النار، في مقابل وعد أوكرانيا بإعداد مقترح لوقف إطلاق النار في مناطق معينة قريبًا، وتُثير هذه المفاوضات تساؤلات جادة حول مستقبل السلام بين روسيا وأوكرانيا، والدور الأمريكي في هذا الصدد، خاصةً مع الجهود المبذولة لعقد لقاء بين رئيسي روسيا وأكرانيا في تركيا، بحضور الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”.

 

تحركات أمريكية منضبطة:

 

ووفقاً لدراسة أعدها المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، قام الجانب الأمريكي بتحركات مكثفة خلال الفترة الماضية، حيث التقى السيناتور الجمهوري “ليندسي جراهام” من ولاية ساوث كارولاينا، والسيناتور الديمقراطي “ريتشارد بلومنثال” من ولاية كونيتيكت، بالرئيس الأوكراني ” فولوديمير زيلينسكي” وعدد من المسئولين الأوكرانيين في كييف، وأجروا مباحثات بشأن مباحثات السلام الجارية والتشريعات المقترحة لتعزيز العقوبات الأمريكية على روسيا، وذلك في أعقاب التساؤلات المقدمة من المسئولين الأوكرانيين، قبل انعقاد الجولة الثانية من المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا في مدينة إسطنبول، والتي تحفظت روسيا حينها عن إرسال مقترحات التفاوض لأوكرانيا.

على صعيدٍ متصل، فقد صرح المبعوث الأمريكي لأوكرانيا “كيث كيلوج” بأن المخاوف الروسية بشأن انضمام أوكرانيا لحلف الناتو مبررة، وأن مسألة عضوية أوكرانيا ليست مطروحة بالنسبة للجانب الأمريكي وعدد من الدول الأخرى، وأنها مسألة تتطلب إجماع الدول الأعضاء في الناتو، وهو أمر غير متحقق، ولا ينطبق ذلك على عضوية الناتو فقط، ولكن أيضًا على عددٍ من الدول الأوروبية الأخرى مثل جورجيا ومولدوفا، فيما أشار “كيلوج” حينها إلى أن هناك العديد من الأطراف الأوروبية التي ستحضر الجولة الثانية من المفاوضات، بما يشمل دول: فرنسا وألمانيا وبريطانيا، خاصةً مستشارو الأمن القومي لهذه الدول.

كما أطلق الجانبان (الأمريكي والأوكراني) صندوق استثمار مشترك لإعادة الإعمار كجزء من اتفاقهما بشأن المعادن، وقد سبق ذلك اجتماع ممثلي وزارة تنمية المجتمعات والأقاليم والبنية التحتية في أوكرانيا مع وفد من صندوق النقد الدولي، لمناقشة استراتيجيات الإسكان، وسبل جديدة لتعافي البنية التحتية، والاستعدادات لمؤتمر تعافي أوكرانيا (URC-2025)، حيث تطرقت المباحثات بين الجانبين إلى التعاون الجاري مع الشركاء الدوليين الذي يهدف إلى إعادة إعمار المناطق الواقعة على خطوط المواجهة، والنهج المتبع من قبل الحكومة الأوكرانية لمعالجة قضايا السكن للنازحين داخليًا، بما في ذلك التعويض عن الممتلكات المدمرة، وبرنامج “إعادة الإعمار الإلكتروني” وإطلاق آليات الإسكان الاجتماعي.

 

تحركات أوروبية موازية:

 

أجرى عدد من المسئولين البريطانيين والفرنسيين مباحثات في هولندا للدفع بمخطط نشر قوات حفظ سلام أوروبية في أوكرانيا، كأحد متطلبات اتفاقية وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، ودعم استدامة عملية السلام في أوكرانيا، فيما تم التطرق إلى طبيعة الدعم الأمريكي المحتمل، وإلى أي مدى ستعمل واشنطن على تقديم “ضمان أمني” أو “دعم احتياطي” لهذه القوة، كذا الاتفاق على دعوة الرئيس الأوكراني “زيلينسكي”، لحضور قمة حلف الناتو في لاهاي.
حذر الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” على هامش حوار شانغريلا في سنغافورة، الولايات المتحدة ودول منطقة أسيا والمحيطين، من تحركاتهم لتعزيز منظومة الردع الدفاعية في منطقة الإندوباسيفيك، فيما أشار إلى أن سحب القوات الأمريكية من أوروبا لنشرها في منطقة أسيا والمحيطين والتخلي عن أوكرانيا سيهدد مصداقية الولايات المتحدة في ردع أي نزاع محتمل بين الصين وتايوان.
وافق مجلس أوروبا على إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة القيادة الروسية بتهمة العدوان على أوكرانيا، وذلك في أعقاب الاجتماع السنوي للجنة وزراء مجلس أوروبا في لوكسمبورج.


محددات وضوابط حاكمة:

 

طبيعة الدعم الأمريكي المقدم لأوكرانيا، فمنذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، التزمت الولايات المتحدة بتقديم مساعدات عسكرية تقدر بـ 66.5 مليار دولار لدعم القطاع الدفاعي الأوكراني، بالإضافة إلى أكثر من 50 مليار دولار كمساعدات مالية، وقد تم تقديم المساعدات الأمريكية عبر قنوات متعددة مثل مبادرة الأمن الأوكراني والتمويل العسكري الأجنبي، حيث أتاحت هذه القنوات توفير إمدادات فورية لأوكرانيا، إلى جانب دعم بناء القدرات الدفاعية على المدى الطويل، وكذلك فقد سهلت الولايات المتحدة عمليات نقل الأسلحة من أطراف ثالثة وعمليات البيع التجاري، بالتنسيق مع الحلفاء، كما قدمت واشنطن دعمًا استخباراتيًا مكثفًا لأوكرانيا، تضمن استخبارات الإشارات (SIGINT)، والاستخبارات الصورية (IMINT)، والاستخبارات البشرية (HUMINT)، وقد أشارت بعض التقارير إلى اعتماد القوات الأوكرانية بشكل كبير على الإحداثيات التي توفرها الولايات المتحدة لتنفيذ غالبية الضربات باستخدام نظم الأسلحة المتقدمة، ما يبرز مدى اندماج الولايات المتحدة في ما يُعرف بـ”سلسلة القتال” الأوكرانية، وبالتالي فإن أي تراجع أمريكي عن الدعم لأوكرانيا، سيؤثر على انخراط واشنطن في أوروبا.
آليات وقف الدعم الأمريكي لأوكرانيا، قد يتراوح هذا الوقف من القطع المفاجئ لكل أنواع الدعم، بما يشمل منع الحلفاء من تقديم أي دعم يعتمد على نظم أمريكية، إلى الوقف المحدود لبعض نظم التسلح، ومع ذلك فإن قطع التمويل عن برامج الدعم العسكري لأوكرانيا لن يعني بالضرورة نهاية فورية لوصول الأسلحة، لأن كثير من المساعدات التي وافق عليها الكونجرس لا تزال في مراحل التسليم وستستمر في الوصول إلى أوكرانيا خلال السنوات القادمة، ما لم تقرر الإدارة إلغاء الدعم الذي تم التعهد به مسبقًا، وهو ما يعني أن الأسلحة والدعم المرتبط بعقود موقعة خلال السنوات الماضية ستظل تصل إلى أوكرانيا لفترة طويلة، رغم أن التدريب على هذه النظم قد يتوقف.
الدعم الموازي المقدم لروسيا، حيث تُشير بعض التقارير إلى حصول روسيا على نظم تسلح (شملت طائرات مسيرة وصواريخ باليستية قصيرة المدى) كذا دعمًا بشريًا في إطار الحرب من بعض الدول، وبافتراض صحة هذه التقارير، وفي حال أقدمت الولايات المتحدة على قطع المساعدات عن أوكرانيا، فإن من المرجح أن يشجع ذلك على تكثيف الدعم لموسكو.
تأثير توقف الدعم الأمريكي على توازن القوى في أوكرانيا، فمن المرجح أن يؤدي أي توقف في المساعدات الأمريكية إلى تغيير ميزان القوى لصالح روسيا، مما يمنحها مزيدًا من التقدم الميداني، فقد كان لتذبذب وتيرة الدعم الأميركي تاريخيًا تأثيرًا مباشرًا على تكتيكات المعركة لدى الطرفين، وغالبًا ما حاولت روسيا استغلال فترات التراجع في الإمدادات لتعزيز مكاسبها الميدانية، حيث يُعتقد أن الهجوم الروسي على خاركيف في عام 2024 جاء نتيجة تقديرات روسية لما اعتبروه “نافذة فرصة” بسبب تباطؤ تدفق الأسلحة الأميركية، وقد استطاعت أوكرانيا صد الهجوم ارتباطًا بتغيير واشنطن قواعد استخدام الأسلحة، وتكثيف دعمها الاستخباراتي لأوكرانيا، ما مكّن الأخيرة من تنفيذ ضربات أعمق داخل الأراضي الروسية.
وختامًا، تجدر الإشارة إلى أن المسودة الروسية بشأن التسوية قد تضمنت قسمين رئيسيين، يرتبط الأول بكيفية التوصل إلى سلام دائم وحقيقي، ويكز الثاني على الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحقيق وقف إطلاق نار شامل، وعلى الرغم من عدم وضوح تفاصيل هذه المسودة بعد، فإنه من المحتمل أن تتضمن بعض المطالب الروسية الأولية، والتي سبق أن أعلنتها في مناسبات عدة، أبرزها: الحفاظ على السيطرة الروسية الكاملة على بعض المناطق مثل خيرسون والدونيستك وشبه جزيرة القرم، مع إمكانية التفاوض على الانسحاب من المناطق التي سيطرت عليها جزئيًا، كذا تبني أوكرانيا لسياسة الحياد الدائم.

ويتماشى هذا الطرح الروسي مع المقترح الأمريكي لاتفاق وقف إطلاق النار في أبريل 2025، والذي تضمن عددًا من البنود الأساسية التي قد تخدم مصالح الجانب الروسي، مثل الاعتراف القانوني من قبل الولايات المتحدة بسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم، والاعتراف الفعلي بسيادة روسيا على معظم منطقة لوغانسك والأجزاء التي تسيطر عليها روسيا في دونيتسك وخيرسون وزابوروجيا، مع إعادة جزء الصغير من منطقة خاركيف التي سيطرت عليها روسيا إلى أوكرانيا، والانخراط الأمريكي في جهود إعادة إعمار أوكرانيا، وكذلك اعتبار محطة زابوروجيا للطاقة النووية (هي أكبر منشأة نووية في أوروبا) أرضًا أوكرانية على أن يتم تشغيلها بواسطة الولايات المتحدة، مع قيام المحطة بتزويد الكهرباء لكل من أوكرانيا وروسيا، وفي المقابل، فإنه من المحتمل أن تضغط أوكرانيا خلال المفاوضات للحصول على كافة الضمانات الأمنية التي تحتاجها، ومع تقويض مساعيها للانضمام إلى الناتو، فقد تدفع بسلسلة من الاتفاقيات الأمنية الثنائية والنشر المحتمل لقوة حفظ سلام متعددة الجنسيات لمراقبة وقف إطلاق النار بين موسكو وكييف.

تم نسخ الرابط