السبب الحقيقي وراء تجعد الأصابع بعد الاستحمام أو السباحة

لطالما اعتقدنا أن تجعد الأصابع اليدين والقدمين بعد نقعها في الماء، سواء أثناء الاستحمام أو السباحة، يعود إلى امتصاص الجلد للماء وانتفاخه، هذا الاعتقاد الشائع استمر لعقود، بل وتم تدريسه في بعض الكتب المدرسية، لكن العلم الحديث جاء ليفاجئنا بالحقيقة.
تجربة علمية تكشف الخدعة العصبية
فريق بحثي بقيادة الدكتور جاي جيرمان، الأستاذ المشارك في قسم الهندسة الطبية الحيوية بجامعة بينغهامتون في نيويورك، أجرى تجربة شملت مجموعة من المتطوعين، تم نقع أصابعهم في الماء لمدة 30 دقيقة، خلال هذه الفترة، ظهرت أنماط مميزة من تجعد الأصابع على الجلد، وعند تكرار التجربة في اليوم التالي، لاحظ الفريق تكرار نفس الأنماط بشكل شبه متطابق.
هذا التكرار في "تصميم" التجاعيد أثار اهتمام الباحثين، مما دفعهم للبحث في الجذور العصبية لهذه الظاهرة، التي لطالما فسرت بشكل سطحي بأنها نتيجة لتورم الجلد بسبب الماء.
الجهاز العصبي اللاإرادي هو المتحكم الحقيقي
الدكتور جيرمان صرح بأن ما يحدث ليس مجرد امتصاص للماء، بل هو استجابة عصبية معقدة يتحكم بها الجهاز العصبي اللاإرادي، وهو الجهاز الذي ينظم العمليات الحيوية اللاواعية في الجسم مثل التنفس، نبض القلب، الهضم، وحتى الرمش.
عندما تلامس الأصابع الماء لفترة طويلة، يقوم هذا الجهاز بإرسال إشارات تؤدي إلى انقباض الأوعية الدموية الصغيرة تحت الجلد، مما يتسبب في انكماش الطبقات الداخلية وسحب الجلد إلى الداخل، وهو ما يؤدي لظهور التجاعيد على السطح الخارجي.
دور تطوري؟ تجاعيد لخدمة البقاء!
عدد من العلماء يعتقدون أن هذه الظاهرة ربما تكون ذات وظيفة تطورية ذكية، فوجود تجعد الأصابع في بيئات مبللة قد يحسن من قدرة الإنسان على الإمساك بالأشياء الزلقة أو التحرك بأمان على الأسطح الرطبة، كما تفعل إطارات السيارات ذات النقوش العميقة لزيادة التماسك على الطريق.
هل يعني ذلك أن غياب التجعد مشكلة؟
في الواقع، نعم. بعض الأطباء يستخدمون غياب تجعد الأصابع عند النقع كعلامة على وجود خلل عصبي، إذ أن عدم استجابة الجهاز العصبي بهذه الطريقة قد يشير إلى مشاكل في التواصل العصبي أو في الأعصاب الطرفية، مثلما يحدث في بعض الحالات المرضية مثل السكري أو تلف الأعصاب.
الجلد لا يتجعد بسبب "شرب الماء"، بل لأنه يستجيب لإشارات دقيقة ومعقدة من الجهاز العصبي، في واحدة من الحيل الذكية التي طورها الجسم عبر آلاف السنين.
ولعل هذه المعلومة تفتح أبوابًا جديدة لفهم العلاقة بين المظاهر الجسدية البسيطة والأعماق العصبية المعقدة التي تقف خلفها