عاجل

نحن في أيام عظيمة، كما قيل عنها خير أيام الدنيا، وهي العشر الأوائل من ذي الحجة (أيام الحج)، ويُعد الحج الركن الخامس من أركان الإسلام، وقد جعله الله تبارك وتعالى في مكان موحد لجميع البشر والخلائق، بخلاف باقي الأركان الأربعة الأولى التي يستطيع أي مسلم القيام بها في أي مكان من العالم، فالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم لا ترتبط بمكان مُخصص على غرار فريضة الحج التي خصّ الله بها بيته الحرام وباقي الـمشاعر الـمقدسة التي يمر بها الحجيج ابتداءً من يوم الثامن من ذي الحجة حتى آخر أيام التشريق.
وإن كانت معظم العبادات خفية ويستطيع الإنسان إتيانها سرًا، فإن الحج عكس ذلك، فهو تجمعٌ علني عالـمي مُعلن للكافة، تتم فيه كل الـمناسك باجتماع جميع الحجيج، وأهم ما يعنينا في هذا الـمقال هو تناول قانون الحج الذي من خلاله تستطيع الـمملكة العربية السعودية إنجاح عملية التجمع العالمي كل عام، وقد يظن القارئ بأن الحديث عن قانون الحج هو قاصرٌ على إصدار تصاريح الحج وكيفية ا لدخول والخروج إلى الـمشاعر الـمقدسة في أوقات الحج، بل الأمرُ أكثر تعقيدًا من ذلك.
فالحجُ يحظى باهتمامٍ واسع من قادة الـمملكة العربية السعودية يبدأ من حشد جميع الطاقات البشرية والـمادية والتقنية من أجل توفير كل أسباب التيسير والراحة والأمن لضيوف الرحمن، وتشمل هذه السُبل التي تعكف الجهات على الترتيب لها والإعداد لها قبل موسم الحج بشهور إصدار القرارات والقوانين اللازمة لتيسير عملية الحج ذاتها.
ومن الناحية القانونية فإن قانون الحج «سواء هذا القانون موجود عملاً أو واقعًا» له صبغة دولية عالـمية، وتتمثل ملامحه في عدة نقاط:
1] الحق السيادي الحصري للمملكة العربية السعودية في إدارة وتنظيم الحج الذي يستند إلى مبدأ السيادة الإقليمية الـمستقر في القانون الدولي وبمقتضاه تكون حماية دور العبادة وتنظيم إجراءات وسُبل الوصول إليها بغرض أداء الشعائر الدينية وفقًا للقوانين والدساتير الداخلية للدول التي تقع في أقاليمها هذه الدور (دور العبادة).
وفي الـمملكة العربية السعودية تنص الـمادة (24) من النظام الأساسي للحكم بأن «تقوم لدولة بإعمال الحرمين الشريفين وخدمتهما، وتوفر الأمن والرعاية لقاصديهما بما يمكن من أداء الحج والعمرة والزيارة بيسر وطمأنينة».
2] وطبقًا للحق الـمطلق للمملكة العربية السعودية في تنظيم الحج وفقًا لـمبدأ السيادة الإقليمية ومبدأ عدم التدخل في شئونها الداخلية الـمستقرين في القانون فإنه يُمتنع على أي دولة أو فرد استغلال فريضة الحج لأغراض سياسية أو دعائية أو عدائية ضد أي شخص أو جهة أو دولة، فالحج بكافة مناسكه يبعد كل البُعد عن الأغراض السياسية، وبالتالي فإن الـمملكة العربية السعودية وبما لها من سلطة إقليمية على أراضيها تستطيع التصدي لأي شكل من أشكال خرق هذا القانون أو تعكير صفو الحجيج.
الحج نظام اقتصادي عالـمي:
بخلاف الرؤية التنظيمية والقانونية للحج، فإن الحج نظام اقتصادي عالمي، وفيه تقوم الـمملكة العربية السعودية بالاستفادة من هدي الأضاحي الـمقدم من الحجيج وإرساله إلى الـمناطق والبلدان الفقيرة كل عام، فهو بمثابة نظام اقتصادي تكافلي يقوم على مبدأ (وتعاونوا على البر والتقوى).
وخاتمة القول ... فإن شرف تنظيم الحج الذي خص الله به الـمملكة العربية السعودية أرقى أنواع التشريف الـمقترنة بالواجب والتكليف.

تم نسخ الرابط