عاجل

الحج عند قدماء المصريين... 4 رحلات مقدسة عرفتها مصر منذ القدم

الحج في مصر القديمة
الحج في مصر القديمة - أرشيفية

 في الوقت الذي يتأهب فيه الملايين من المسلمين حول العالم لأداء فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، يجدر بنا التوقف عند ظاهرة مشابهة، وإن اختلفت في شكلها ومقصدها، كانت جزءً لا يتجزأ من النسيج الديني والاجتماعي لمصر القديمة، الحج المصري القديم، فلم يكن المصريون القدماء بمعزل عن فكرة «الرحلة المقدسة» أو الزيارة الدينية لمواقع تعتبر مقدسة، بل كانت هذه الرحلات تشكل ركيزة أساسية في حياتهم الروحية. 

ما هو «الحج» في مصر القديمة؟

لم يكن مفهوم الحج في مصر القديمة مطابقًا تمامًا لمفهوم الحج في الأديان السماوية اللاحقة، لم تكن هناك رحلة موحدة إلزامية لجميع المصريين إلى موقع واحد محدد بدلاً من ذلك، فقد اتخذت «رحلات الحج» المصرية القديمة أشكالًا متعددة، إلى وجهات مختلفة، غالبًا ما كانت مرتبطة بعبادة آلهة معينة أو ببعض الطقوس الجنائزية.

أبرز وجهات الحج المصرية القديمة

كانت المعابد والمقابر الملكية ومواقع الدفن الرئيسية هي النقاط المحورية لهذه الرحلات المقدسة. من أبرز هذه الوجهات

أبيدوس

تُعد أبيدوس، التي كانت تُعرف باسم «أبجو» في مصر القديمة، واحدة من أهم المواقع الدينية والجنائزية، كانت مركزًا لعبادة الإله أوزوريس، إله العالم السفلي والبعث، وكان الحج إلى أبيدوس يعتبر بمثابة مشاركة رمزية في رحلة أوزوريس إلى العالم الآخر، وكان يعتقد أن هذه الزيارة تضمن للمصري القديم حياة أبدية بعد الموت. كان الكثيرون يتمنون أن يُدفنوا ولو بشكل رمزي في أبيدوس، أو أن يتم نصب لوحة تذكارية لهم هناك.

طيبة 

وهي الأقصر حاليًا، وكانت، عاصمة مصر في فترات طويلة، وضمت مجموعة هائلة من المعابد والمواقع الدينية، مثل معبد الكرنك ومعبد الأقصر، كانت هذه المعابد مراكز لعبادة آمون رع، الإله الأكبر للدولة، والآلهة الأخرى. كانت المهرجانات الكبرى، مثل عيد الأوبت، تشهد رحلات جماعية للتماثيل الإلهية من معبد لآخر، يتبعها جموع من الناس في احتفالات مهيبة، يمكن اعتبارها شكلاً من أشكال الحج العام.

هليوبوليس  

وهي منطقة عين شمس والمطرية وعرب الحصن حاليًا في القاهرة، وكانت مركزًا رئيسيًا لعبادة رع، إله الشمس، وعلى الرغم من أن بقاياها الأثرية قليلة اليوم، إلا أنها كانت مدينة ذات أهمية دينية قصوى، ومن المحتمل أنها استقطبت زوارًا لأداء الطقوس المتعلقة بعبادة الشمس.

المقابر الملكية في وادي الملوك والملكات

على الرغم من أنها كانت في المقام الأول مواقع للدفن، إلا أن زيارة هذه المقابر، وخاصة في فترات معينة، قد اكتسبت طابعًا شبه ديني، خاصة بالنسبة لأولئك الذين كانوا يسعون للحصول على بركة الملوك المتوفين أو لتقديم القرابين لهم.

أهداف ودوافع الرحلات المقدسة 

البحث عن الخلود، كان الهدف الأسمى للكثيرين هو ضمان الخلود والبعث في العالم الآخر، وكانت زيارة أبيدوس خير مثال على ذلك، والتقرب إلى الآلهة، كان الحج وسيلة للتقرب من الآلهة وطلب البركة والحماية وتلبية الرغبات، الوفاء بالنذور، قد يقوم الأفراد برحلات دينية للوفاء بنذور قطعوها للآلهة مقابل تحقيق أمنية أو تجاوز محنة، المشاركة في الأعياد والمهرجانات: كانت الأعياد الدينية الكبرى تستدعي تجمعًا واسعًا للمؤمنين من جميع أنحاء البلاد.
التطهير الروحي: كانت بعض الرحلات تهدف إلى التطهير الروحي والتكفير عن الذنوب.

وسائل النقل والتحضيرات

اعتمد المصريون القدماء بشكل كبير على نهر النيل كوسيلة رئيسية للنقل في رحلاتهم، حيث كانت القوارب هي الوسيلة الأسرع والأكثر أمانًا للتنقل بين المدن والمعابد. كما كانت هناك طرق برية تُستخدم، خاصة في الرحلات القصيرة أو للوصول إلى المواقع البعيدة عن النيل. كانت التحضيرات تشمل إعداد المؤن والقرابين، وقد يرتدي الحجاج ملابس خاصة أو يحملون أدوات طقسية.

إرث الحج المصري القديم

ترك الحج في مصر القديمة بصمات واضحة في النقوش والبرديات والآثار التي وصلتنا. تروي هذه المصادر قصص الأفراد الذين قاموا بهذه الرحلات، وتصف المشاعر الدينية التي انتابتهم، وتؤكد على الأهمية الكبيرة التي أولاها المصريون القدماء لحياتهم الروحية وعلاقتهم بالآلهة.

إن فهمنا لمفهوم "الحج" في مصر القديمة يضيف بعدًا عميقًا لتاريخ هذه الحضارة العظيمة، ويؤكد على أن فكرة الرحلة المقدسة كانت سمة إنسانية مشتركة عبر العصور، وإن اختلفت تفاصيلها ومقاصدها بين الثقافات والأديان.

تم نسخ الرابط