آثار القليوبية.. كنوز الأرض التي ينهبها لصوص التاريخ وسط الإهمال الحكومي

تمتلك محافظة القليوبية، إرثًا حضاريًا عظيمًا يمتد من عصور ما قبل التاريخ إلى العصرين الإسلامي والعثماني، وتضم العديد من المواقع الأثرية المهمة، مثل تل أتريب ببنها، وتل اليهودية بالخانكة، وتل ميت نما بقليوب.
ورغم هذه الثروة التاريخية، تعاني المحافظة من تهميش متواصل، وإهمال حكومي واضح، وغياب لخطط التطوير، ما فتح الباب أمام جرائم تنقيب غير مشروع وتعديات تهدد هذا التراث بالاندثار.
مواقع أثرية متعددة.. بلا حماية ولا تطوير
يُعد تل أتريب من أبرز المواقع الأثرية بالمحافظة، وكان في العصور الفرعونية عاصمة للإقليم العاشر من أقاليم مصر السفلى، وموطنًا لصناعة العطور الطبية، إلا أنه حاليًا يعاني من الإهمال وغياب الحراسة، وتحول إلى تل رملي محاط بمبانٍ سكنية عشوائية.
كذلك الحال في تل اليهودية، الذي يضم بقايا معابد فرعونية وآثارًا من العصر البطلمي، ويواجه خطر النسيان والتعديات العمرانية، وسط غياب واضح لأي حملات ترميم أو تنمية سياحية.
اكتشافات أثرية نادرة.. لكنها مغيبة
شهدت القليوبية اكتشافات أثرية مهمة خلال العقود الماضية، منها تماثيل لآلهة فرعونية، وقطع فخارية وزجاجية، وألواح حجرية منقوشة بالهيروغليفية.
لكن أغلب هذه القطع نُقلت إلى المتحف المصري بالتحرير، ومتحف الحضارة بالفسطاط، بينما لا تزال عشرات القطع الأخرى حبيسة المخازن الأثرية دون عرض أو توثيق محلي.
ويؤكد باحثون في الآثار أن المحافظة "تعج بالكنوز غير المستغلة"، وأن هذا التهميش "يحرم القليوبية من هوية ثقافية واقتصادية يمكن استثمارها سياحيًا."
مطالب متكررة بإنشاء متحف إقليمي
منذ أكثر من عقدين، يطالب مثقفو القليوبية بإنشاء متحف إقليمي يعرض آثار المحافظة ويوثق تاريخها، أسوة بمحافظات أخرى. وتم طرح عدة مقترحات، أبرزها استغلال قصر محمد علي بشبرا الخيمة كمقر للمتحف، إلا أن المشروع لا يزال حبيس الأدراج، دون خطوات تنفيذية ملموسة.
ويعتبر متخصصون أن إنشاء متحف إقليمي بالقليوبية سيكون له دور محوري في الحفاظ على التراث، وتنمية الوعي المجتمعي، وتعزيز السياحة الداخلية، إلى جانب دعم الأبحاث العلمية في مجالات التاريخ والآثار.
جرائم التنقيب.. وجه آخر للخطر
في ظل الإهمال، تصاعدت جرائم التنقيب عن الآثار بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، حيث سجلت أجهزة الأمن أكثر من 12 واقعة تنقيب غير مشروع في مناطق طوخ، والخانكة، وشبين القناطر، وقليوب.
ويستغل بعض المواطنين ضعف الرقابة وغياب الحراسة في تنفيذ عمليات حفر داخل منازلهم أو الأراضي الزراعية، أملاً في العثور على قطع أثرية ثمينة.
ورغم جهود الأمن في ضبط المتهمين وإحالة القضايا للنيابة، إلا أن استمرار الظاهرة يعكس حاجة ملحة لخطة وطنية لحماية الآثار في المحافظة.
دعوات المثقفين: أنقذوا الخريطة الأثرية
طالب مثقفون وباحثون بمحافظة القليوبية، بإعادة الاعتبار للخريطة الأثرية بالمحافظة، ووضع خطة عاجلة تشمل تشكيل لجنة لحصر المواقع الأثرية وتحديث بياناتها وتطوير المواقع الحالية ورفع كفاءتها لاستقبال الزوار وتنفيذ مشروع المتحف الإقليمي دون تأجيل.
وإطلاق حملات توعية مجتمعية حول قيمة التراث الأثري وخطورات التنقيب غير المشروع.
على الرغم أن محافظة القليوبية تزخر بثروة أثرية فريدة، فإن غياب الرؤية الرسمية، وتجاهل مشروعات التوثيق والعرض، وارتفاع وتيرة التعديات، يضع هذا التراث أمام خطر حقيقي.
ويظل الأمل معقودًا على استجابة سريعة من وزارة السياحة والآثار، والمحافظة، والمجتمع المدني، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتثبيت موقع القليوبية على خريطة مصر الأثرية بما يليق بتاريخها العريق.