دعاء قنوت الفجر.. راحة وطمأنينة وطلب للهداية من الله
يحرص الكثير من المصليين على دعاء قنوت الفجر لما يمثله من جوانب روحية عميقة تعكس العلاقة المتينة بين العبد وربه، خاصة أنه يأتي في صلاة الفجر ما يجعله وسيلة تعبدية عظيمة لتحصيل البركة واستجلاب الرحمة.
فالقنوت يقبع في أذهان الكثيرين بأنه لقاء خاشع بين العبد وربه يحمل معاني الدعاء، الاستغفار، والرجاء، وحرصًا منا على الاستدامة في تقديم كل ما يخص قراءنا من احتياكات معرفية ودينية سنلقي الضوء على مفهوم دعاء قنوت الفجر، حكمه الشرعي، وكيف يؤثر في حياة المسلم، إضافة إلى صيغته.
ما هو دعاء قنوت الفجر؟
دعاء قنوت الفجر هو دعاء يقال في صلاة الفجر في الركعة الأخيرة قبل السجود وبعد الرفع من الركوع، يُخصّص دعاء القنوت في صلاة الفجر عند بعض المسلمين ليكون بمثابة طلب للحماية والبركة وطلب الهداية، كما أنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقنت في بعض الصلوات خاصة عند الشدائد والنوازل، وهو ما يعكس أهمية الدعاء في اللحظات الصعبة من حياة المسلم.
حكم قنوت صلاة الفجر
يختلف حكم القنوت في صلاة الفجر باختلاف المذاهب الفقهية:
- الشافعية يروا أن القنوت في صلاة الفجر سنة مؤكدة يُواظب عليها المسلم.
- المالكية يروا استحباب القنوت، لكنه يُقال بعد الرفع من الركوع.
- الحنفية والحنابلة يعتبران أن القنوت يُقال في صلاة الوتر، ولا يثبت كجزء من صلاة الفجر بشكل دائم.
وفي ذلك يتبين أن الخلاف الفقهي في هذه المسألة يدل على تنوع الفقه الإسلامي وسعته، مما يُعطي المسلم خيارات تتماشى مع روح الشريعة وتيسيرها.
دعاء قنوت صلاة الفجر
دعاء القنوت يبدأ بحمد الله تعالى والثناء عليه، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم طلب الهداية والتوفيق والدعاء بصلاح الحال. من أشهر صيغ دعاء قنوت الفجر:
(اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولّنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقِنا واصرف عنّا شرّ ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، إنه لا يذلّ من واليت، ولا يعزّ من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت).
(اللهمَّ إنَّا نستعينُكَ ونستغفرُكَ ونُثْنِي عليكَ الخيرَ كلَّهُ، ونشكرُكَ ولا نَكْفُرُكَ ونخلَعُ ونترُكُ من يفجرُكَ اللهمَّ إيَّاكَ نعبُدُ ولكَ نُصلِّي ونسجُدُ وإليكَ نسعى ونَحْفِدُ نرجو رحمتَكَ، ونخشَى عذابَكَ إنَّ عذابَكَ بالكفارِ مُلْحِقٌ).
يمكن إضافة أدعية أخرى بما يتماشى مع حال المسلم، كطلب الحاجة والدعاء برفع البلاء وتحقيق الأمنيات التي يسعى إليها المصلي والداعي.
فضل دعاء القنوت في صلاة الفجر
تحصيل البركة والهداية حيث أن دعاء القنوت يدفع المسلم للمواظبة على طلب الهداية يوميًا، ما يعزز القرب من الله.
يمنح القنوت شعورًا بالطمأنينة لأنه يُظهر العبد متوكلاً على الله في قضاء حوائجه، كما يفتح القنوت يفتح باب المغفرة، حيث يدعو المسلم ربه بتواضع وخشوع، إلى جانب أن صلاة الفجر بحد ذاتها من الصلوات التي تقوي الصلة بين العبد وربه، ويأتي القنوت ليزيدها خشوعًا وإخلاصًا.
القنوت في السيرة النبوية
وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أنه كان يقنت في النوازل، مثل الأحاديث التي تروي قنوته عندما دعا لنصرة المستضعفين أو لدفع الأذى عن المسلمين. ومن أشهر الأحاديث:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر والمغرب." (رواه ابن ماجه).
وجاء فيه حديثُ أنس بن مالك رضي الله عنه: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ ثُمَّ تَرَكَهُ، وَأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا"، والحديث رواه جماعةٌ مِن الحُفَّاظ وصَحَّحُوه كما قال الإمام النووي وغيره، وبه أخذ الشافعية، والمالكية في المشهور عنهم؛ فيُستَحَبُّ عندهم القنوتُ في الفجر مُطلَقًا، وحَمَلُوا ما رُويَ في نَسْخِ القنوت أو النهي عنه على أنَّ المتروكَ منه هو الدعاء على أقوامٍ بأعيانهم لا مطلق القنوت.
إلى جانب ذلك يشعر المواظبون على دعاء قنوت الفجر بشكل دائم بالروحانية العالية، فدعاء القنوت يُعلّم المسلم التفويض الكامل لله، مما يخفف عن النفس القلق والهموم، وأيضًا القنوت يتضمن دعاءً جماعيًا للمسلمين كافة، مما يُعزز الشعور بالوحدة، وتمثل الاستدامة على القنوت جزء من الانضباط الروحي الذي ينقل المسلم إلى حالة من السلام الداخلي.
كيفية دعاء قنوت الفجر
وبحسب ما ورد عن جمهور الفقهاء والأئمة يسنحب للإمام دعاء قنوت الفجر بصوت مرتفع إذا كان يصلي جماعة، ويؤمّن المأمومون على الدعاء، ويمكن أيضًا الدعاء بغير الصيغ المأثورة، لكن من الأفضل الالتزام بالصيغ المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونسيان القنوت في الفجر لا يبطل الصلاة فمن نسي القنوت فصلاته صحيحة، لأن القنوت سنة وليس واجبًا.
