عاجل

سيناريو السلطة: هل يمكن أن يكون “أوغلو” بديلًا لـ “أردوغان؟

نيوز رووم

أثار اعتقال وإقالة رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، من منصبه في شهر مارس الماضي حالة من الترقب في تركيا والعالم. وعلى الرغم من خروج عشرات الآلاف إلى الشوارع احتجاجًا على الرئيس التركي أردوغان، فإن الرئيس التركي استطاع امتصاص هذه التظاهرات، كذلك موجة الانتقادات الدولية، خاصة بعد دعوة المفوضية الأوروبية لـ تركيا بالتمسك بالقيم الديمقراطية، وتأكيد وزارة الخارجية الألمانية أن “المنافسات السياسية يجب ألا تُجرى من خلال المحاكم والسجون”.

تأسيسًا على ما سبق، وفي ظل عدم وضع “أردوغان” ما حدث في حساباته بالدرجة المخيفة،- يطرح هذا التحليل عدد من الأسئبة، هي: هل الخطوة التي أقدم عليها الرئيس أردوغان وتمكنه من امتصاص الغضب الشعبي من أنصار أغلو وحزبه، يمهد لاستمراره في الحكم أم أنها خطوة تصحيحية ولم تكن تحمل لأية دوافع سياسية؟ هل يسعى أردوغان إلى القضاء علي المعارضة وإفساح المجال لحزبه للاستمرار في الحكم حتى بدونه؟

أوغلو في المعادلة:

رغم ما يتمتع به “أردوغان” و”أغلو” من كاريزما وكفاءة، إلا أن “أوغلو” الأصغر سنًا، يعد منافسًا مهددًا لأردوغان، خاصة وأن اعتقال الأخير جلب حالة من عدم الاستقرار إلى الاقتصاد التركي المتعثر أصلًا. فقد جاء قرار اعتقال “أوغلو” في أجواء سياسة مضطربة تحيط بأردوغان، الذي يواجه إرهاقًا شعبيًا متزايدًا من رئاسته، فقد أظهر استطلاع رأي أجراه مركز بيو للأبحاث في مارس 2024، أن 55% من البالغين الأتراك لديهم رأي سلبي تجاه أردوغان. ورغم قدرة واستطاعة أردوغان على امتصاص حالة الغضب التي اندلعت في الشارع، إلا أن هذا لا يستبعد تأثير التظاهرات على مستقبله، خاصة بعد اعتقال المئات من مساعدي إمام أوغلو، بمن فيهم زملاء وأصدقاء وشركاء أعمال سابقون وأعضاء في مجتمع الأعمال التركي وأفراد من عائلته.

وفقًا للمراقبين، فإنه رغم بقاء إمام أوغلو في السجن، إلا أن أردوغان، مازال يواجه تحديات جسام. فالمطلب الأهم لأردوغان هو تمديد ولايته الرئاسية، إذ يقتصر دستوريًا على ولايتين، وتنتهي ولايته في عام 2028. بالتالي، تراجع شعبية أردوغان المتزايد، ساعد في تراجع من قدرته على تغيير الدستور أو فرض انتخابات مبكرة. وعليه، من المرجح أنه بعد ثلاث سنوات من الآن، قد تنتهي سلطة أردوغان، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أنه لو أُجريت انتخابات في تركيا غدًا، فلن يفوز الرئيس التركي. لكن على صعيد أخر، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ينفي سعيه لتغيير الدستور، ليتمكن من البقاء في منصبه بعد انتهاء ولايته الجارية. يذكر أن أردوغان، قاد تركيا لمدة 22 عامًا، أولًا كرئيس للوزراء منذ عام 2003، ثم كرئيس منتخب منذ عام 2014. لكنه لا يستطيع الترشح مرة أخرى، إلا إذا تغيرت القواعد أو دعا إلى انتخابات مبكرة.

فقد ذكر أردوغان، للصحفيين في لقاءات عدة: “نريد دستورًا جديدًا ليس لأنفسنا، بل لبلدنا، لا أرغب في إعادة انتخابي أو الترشح مرة أخرى”. ومع ذلك، زادت تصريحات أردوغان وأفعاله الأخيرة من التكهنات برغبته في البقاء رئيسًا بعد انتهاء ولايته في عام 2028. كما سبق وقال أردوغان، إن “دستور تركيا لا يعكس آراء المدنيين، إذ كُتب أساسًا في أعقاب انقلاب عسكري عام 1980، على الرغم من تعديله. وتساءل: “في عالم سريع التغير كهذا، هل من الممكن تحقيق أي شيء بدستور كُتب في ظل ظروف انقلاب؟”.

على صعيد أخر، وكما يقال بأن السجن يعد رصيد سياسي، فتشير استطلاعات الرأي إلى أن دعم رئيس بلدية اسطنبول قد ارتفع منذ احتجازه في سجن سيليفري، غرب إسطنبول. رغم نجاح السلطات في حجب حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي على موقع X داخل تركيا، وواصلت استهداف إدارة مدينته، ​​حيث اعتقلت ما لا يقل عن 18 موظفًا للاشتباه في فسادهم، بمن فيهم رئيس العلاقات العامة في البلدية.

السيناريوهات الـ4:

بعد بقاء أردوغان في السلطة لأكثر من عقدين وقدرته على إعادة تشكيل القيم الثقافية والهوية والنظام السياسي في تركيا، فإن الصورة المستقبلية في تركيا تعد غير واضحة المعالم، وهو ما يفتح الباب أمام التكهنات المختلفة أو بالأحرى سيناريوهات مختلفة لوضع تركيا فيما بعد 2028، والتي يمكن سردها على النحو التالي:

السيناريو الأول، استمرار أردوغان:

 رغم أن هذا السيناريو يتعارض مع الدستور الذي وضعه أردوغان، إلا أن ما يدعمه، هو التطورات السياسية على الأرض، وقياسًا على حالات أخرى عالمية، فإنه يمكنه الاستمرار مع إدخال تفسيرات على الدستور وإعادة قراءته على نحو يساعد على بقائه أو فرض حالة طوارئ بما يحول دون إتمام الانتخابات أو تعديل الدستور بدعم من الأكراد أو الدعوة إلى عقد انتخابات مبكرة في ظل أجواء سياسية مغايرة، وفي ظل حالة عدم اليقين العالمية. وما يدعم أيضا هذا السيناريو، هو أن أردوغان بات أكثر ثقة في التعامل مع حالات الرفض الجماهيري، لكن الثقة الزائدة وفقا لبعض المراقبين قد تنقلب إلى غرور في القدرة على التنبؤ في امتصاص الغضب الشعبي الذي قد يتصاعد رافضا تلاعبه بالدستور التركي من أجل استمراره في السلطة بعد 2028.

السيناريو الثاني، عودة قوية لـ أوغلو: 

يتبنى هذا السيناريو مسار يشير إلى أن أوغلو، قد يعيد نفس سيناريو أردوغان. وهنا تجدر الإشارة إلى أن أردوغان، عندما كان حاكمًا لبلدية إسطنبول، وتم سجنه، ازدادت  شعبيته، التي أهلته للوصل إلى سدة الحكم. ما يدعم هذا السيناريو، هو أن سجن أوغلو، يمثل رصيد سياسي، قد يؤهله من منافسة أردوغان حال الإفراج عنه.  لكن يحد من تنفيذ السيناريو عدد من الكوابح، هي توقيت الافراج عن أوغلو، كذلك إفساح المجال للتنافس مع أردوغان، وحدود تعاون حزب الشعب الذي ينتمي إليه أوغلو معه وعدم تقديم شخص أخر من داخل الحزب للترشح، ومن ثم إبعاد أوغلو عن الساحة السياسية مع عدم وجود شخصية معارضة من الأحزاب الاخرة قادرة على التنافس مع أردوغان.

السيناريو الثالث إيثار الحزب:

 يرى هذا السيناريو أن أردوغان يعمل من أجل استمرار حزبه وليس استمراره كرئيس للبلاد. ويدعم هذا السيناريو، هو تهيئة المناخ السياسي لمرشحين جدد مثل وزير الخارجية التركي هاكان، الذي يراه بعض المراقبين بالأقرب لخلافة أردوغان. بالتالي، وفقًا للسيناريو أنه  بمجرد أن يعمل أردوغان على تقديمه داخل الحزب فسيكون له حظ وافر في الفوز برئاسة تركيا، وربما أيضا تمكين أردوغان من حصانات قضائية بعدم محاسبته عن أي شيء قضائيا بعد تركه للسلطة.

 السيناريو الرابع،عودة للخلف: 

يدعم هذا السيناريو هو ما يبرره استخدام المنهج التاريخي في قراءة مستقبل تركيا، فمن المحتمل أن تتعرض تركيا لارتباك داخلي وبالتالي يطرح الجيش نفسه مرة أخرى، خاصة أن هذه الدولة لها ميراث طويل وكبير من الحكم العسكري، بل محاولة انقلاب 2016 كانت بمثابة اختبار شديد للشارع التركي وللمؤسسة العسكرية التركية. وفي الحالتين وفي ظل أجواء ضبابية في الحياة السياسية التركية ودخول تركيا في حالة في التنازع الداخلي وإصرار أردوعان على البقاء في السلطة وخروج الشارع عليه ورفض استمراره أو الاشتباك بين الأحزاب التركية وعدم قدرتها على تقديم البديل السياسي الذي يمكن التوافق عليه.

في النهاية، يمكن القول إنه رغم بقاء أردوغان لفترة طويلة في السلطة وقدرته على النهوض بالاقتصاد التركي، وفرض وجود تركيا في الملفات الإقليمية والدولية، إلا أن تطور الأوضاع خلال الفترة الأخيرة أثر بالسلب على الوضع السياسي والاقتصادي لتركيا، وتكوين صورة مستقبلية غير مستقرة عن الاقتصاد التركي. لكن رغم أن المستقبل السياسي في تركيا بات يهيمن عليه حالة عدم اليقين، إلا أنه حتى تاريخه لا يمكن التكهن بحضور أوغلو كبديل لأردوغان، خاصة وأن تأثير سجن رئيس بلدية إسطنبول لم يأتي بآثار سلبية على شعبية أردوغان، فقد أكدت هورجان أصلي أكسوي (باحثة تعمل في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين)، في مقابلة مع صحيفة “تاغسشاو” الألمانية،- أن منطق أردوغان ناجح، ليس بالضرورة، خاصة أن نهجه يحظى بقبول الناخبين.

تم نسخ الرابط