عاجل

في ظل تحولات متسارعة يشهدها الإقليم وتصاعد الحاجة إلى مقاربات جماعية قادرة على احتواء الأزمات وتعزيز الاستقرار تبرز بوادر تحالف جديد يجمع بين مصر والأردن والعراق مع انفتاح متزايد تجاه إيران بما ينذر بإعادة تشكيل المشهد الإقليمي على أسس أكثر براجماتية وتكاملا وهذا التقارب إن كتب له الاستمرار لا يقتصر على أبعاد اقتصادية وتنموية بل يمتد ليشمل تأثيرات استراتيجية تمس قضايا المنطقة المحورية من فلسطين إلى الأمن الإقليمي ومن أزمات الطاقة إلى إعادة التوازن في العلاقات الدولية.

فتشكل تحالف يضم مصر وإيران والعراق والأردن سيكون له انعكاسات استراتيجية واقتصادية كبيرة على منطقة الشرق الأوسط خاصة في ظل التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة فالتقارب بين مصر وإيران بعد عقود من الفتور قد يكسر الاصطفافات التقليدية بين محورين رئيسيين محور الاعتدال ومحور المقاومة ويؤسس لتحالف "براجماتي" جديد يرتكز على المصالح الاقتصادية والسياسية بعيدا عن الاستقطاب الطائفي أو الأيديولوجي وهذا قد يحد من نفوذ بعض القوى الإقليمية الأخرى أو يدفعها لإعادة تموضعها مثل تركيا والسعودية وإسرائيل وقد يؤدي إلى تقارب في المواقف تجاه الأزمات المزمنة بالمنطقة وتقديم مقاربات أكثر توازنا وفاعلية.

وبنظرة فاحصة تمتلك الدول الأربع مزايا تكاملية واضحة فكل من العراق وإيران يملكان النفط والغاز وتمتلك مصر موارد بشرية وموقع جغرافي وقدرات صناعية وخدمية أما الأردن فهو نقطة عبور وتوازن سياسي ومن شأن هذا التحالف أن يحدث نقلة في مشاريع الطاقة والربط الكهربائي وتجارة الترانزيت ما يعزز الاستقرار الاقتصادي في المنطقة ويخلق فرص عمل ويقلل التبعية للغرب وأي تقارب بين هذه الدول من شأنه أن يقلص هامش تحرك القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة أو حتى روسيا والصين أو على الأقل يفرض عليها أخذ الموقف الإقليمي الموحد بعين الاعتبار قبل التدخل أو تقديم مبادرات وإذا ما تأسس هذا التحالف على أسس متينة قائمة على المصالح المشتركة لا الأيديولوجيات فسيكون بمثابة حجر زاوية في نظام إقليمي جديد أكثر توازنا ويراعي تطلعات الشعوب ويمكن المنطقة من التعامل مع قضاياها بشكل جماعي وفعال لكن نجاح هذا المسار مرهون بمدى واقعية الأطراف واستعدادها لتجاوز الخلافات التاريخية وبناء الثقة المتبادلة.

ويعضد ميلاد هذا المحور خطوات اتخذت للتعاون ومنها الربط الكهربائي حيث تم تشغيل المرحلة الأولى من مشروع الربط الكهربائي بين الأردن والعراق في أبريل 2024 لتزويد العراق بـ40-50 ميجاوات مع خطط لزيادة القدرة إلى 500 ميجاوات بنهاية العام كما يجري العمل على زيادة القدرة التبادلية بين مصر والأردن إلى 1000 ميجاوات بنهاية 2024 و2000 ميجاوات بحلول 2026 كما اتفقت مصر والعراق على آلية النفط مقابل الإعمار حيث تقدم مصر خبراتها في مجالات البناء والكهرباء مقابل الحصول على النفط العراقي بأسعار تفضيلية كما وقعت مصر والعراق 11 وثيقة تعاون اقتصادي في يونيو 2023 شملت مجالات التجارة والصناعة والنقل والطاقة ما يعكس رغبة البلدين في تعزيز التعاون الثنائي وعلى صعيد التنسيق السياسي عقد وزراء خارجية الدول الثلاث اجتماعات دورية لتعزيز التعاون والتنسيق المشترك واستكمال المشاريع المتفق عليها بهدف تحقيق التكامل الاقتصادي الذي ينعكس إيجابا على المنطقة وفي يناير 2025 طرح جواد ظريف نائب الرئيس الإيراني مبادرة جمعية الحوار الإسلامي لغرب آسيا والتي تهدف إلى تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي والسياسي بين دول المنطقة بما في ذلك مصر والسعودية وتركيا والعراق.

إن تشكل محور يضم مصر والأردن والعراق وإيران في حال تبلوره فعليا يحمل في طياته إمكانات هائلة لإحداث تحول نوعي في معادلات الشرق الأوسط سواء على صعيد إعادة التوازنات الإقليمية أو في إيجاد حلول عربية-إقليمية لمجموعة من القضايا المعقدة غير أن نجاح هذا المسار يظل رهينا بمدى قدرة الأطراف على تجاوز الإرث التاريخي من الخلافات وبناء أرضية مشتركة تقوم على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل للسيادة بما يمكن هذا التحالف من أن يتحول من مجرد تقارب سياسي ظرفي إلى ركيزة لاستقرار طويل الأمد وتنمية شاملة في المنطقة.

 

تم نسخ الرابط